دبي- محمود مبروك
في قلب إمارة دبي، تقف مكتبة محمد بن راشد كمعلم حضاري وثقافي ومنارة معرفية متفردة، متجذرة بعمق في تراث الأمة ولغتها العربية؛ حيث تُعد رمزًا حيًا للعمق الثقافي واللغوي الذي تزخر به المنطقة، لتقود في ظل رؤية رائدة تعزيز النهوض بلغة الضاد من خلال سلسلة ثرية ومتواصلة من الفعاليات والمبادرات والبرامج الثقافية وورش العمل التي تبرز غنى وتنوع الثقافة العربية.
وتحرص مكتبة محمد بن راشد، منذ افتتاحها على تنظيم سلسلة واسعة من الأنشطة إلى جانب استضافة العديد من المهرجانات والملتقيات الثقافية المحلية والإقليمية والعالمية التي تسلط الضوء على جمال وأهمية اللغة العربية وتشجع الشباب والأطفال على القراءة من خلال ورش عمل مبتكرة تجمع بين التعلم والمرح بروح معاصرة، بالإضافة إلى تقديم مسابقات لغوية تحفز الشباب على استكشاف اللغة بطريقة تفاعلية ومبدعة.
ومن بين أبرز مبادرات مكتبة محمد بن راشد لتعزيز اللغة العربية بين أفراد المجتمع والأجيال الجديدة، مبادرة «عالم يقرأ»، والتي تبرعت من خلالها بحوالي 60000 كتاب لمختلف الجهات والمؤسسات الحكومية والتعليمية والمكتبات من بينها الكثير من الكتب باللغة العربية، منها أكثر من 5000 كتاب من مختلف المجالات والموضوعات تم توزيعها على 11 مجمعاً تعليمياً جديداً من مشروع مجمعات زايد التعليمية في إمارات مختلفة داخل الدولة، بالإضافة إلى اعتزام المكتبة على مواصلة توزيع المزيد من الكتب في الفترة المقبلة، الأمر الذي يبرز حرصها على إيصال المعرفة لأكبر نسبة من الأفراد، ويدعم استراتيجية دولة الإمارات في نشر المعرفة والتشجيع على القراءة إلى جانب تقديم الدعم للطلاب المشاركين في تحدي القراءة العربي.
وبلغ مجموع عناوين الكتب المطبوعة والرقمية في مكتبة محمد بن راشد، أكثر من مليون ومائتي ألف كتاب، حيث وصل عدد العناوين والفيديوهات الموجودة في قاعدة البيانات أكثر من 21 مليون عنوان، بالإضافة إلى وصول عدد الكتب المطلوبة من الموقع والتطبيق إلى أكثر من 4400 كتاب، وأكثر من 620 ألف كتاب رقمي، إلى جانب ست قواعد بيانات عالمية، من بينها أكثر من 600 ألف عنوان باللغة العربية في جميع المجالات والتخصصات إلى جانب المقتنيات والمخطوطات النادرة بين أروقتها.
وتحتضن مكتبة محمد بن راشد، مجموعة غنية من المعاجم والمراجع اللغوية المتفردة والنادرة والمعاصرة، والتي تشكل جسرًا بين الماضي والحاضر، إلى جانب دورها في تعزيز حضور اللغة العربية والتطور اللغوي والثقافي العربي. ومن بين أبرز هذه المعاجم، «لسان العرب» لابن منظور، «جمهرة اللغة» لابن دريد، و«معجم المعاني» للدكتور علي الصراف، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي، و«معجم الأضداد» لميشال مراد، و«المعجم الوسيط» من مجمع اللغة العربية، وغيرها الكثير.
فعاليات متفردة
نظّمت مكتبة محمد بن راشد، منذ افتتاحها، أكثر من 300 فعالية وورشة عمل تثقيفية وتعليمية وتدريبية لمختلف شرائح المجتمع من الكبار والأطفال والعائلات في العديد من المجالات والتخصصات، من بينها فعاليات شهرية «أيام المكتبة» و«قهوة وكتاب»، ما يجسّد النجاح الكبير في تنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها لتكون منارة للمعرفة والثقافة والإبداع.
كما عملت على تسخير التكنولوجيا في تقديم محتوى تعليمي جذاب يركز على اللغة العربية، مثل الورش التعليمية التفاعلية والألعاب الإلكترونية التي تعزز مهارات اللغة بطريقة ممتعة وعصرية. ومن بين فعالياتها، حرصت المكتبة على استضافة نخبة من الكتّاب والشعراء في جلسات تفاعلية وحوارية شاركوا من خلالها تجاربهم في الكتابة الإبداعية والقراءة باللغة العربية لتحفيز الشباب وتعزيز حب اللغة الأم لدى الجيل الناشئ.
ومن أبرز فعاليات المكتبة التي أضاءت على اللغة العربية خلال العام، أمسية شعرية متفردة للشاعر الراحل الكبير كريم العراقي، والشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، بحضور نخبة من الكتّاب والشعراء والمثقفين الإماراتيين والعرب والمهتمين بالجانب الثقافي، وذلك احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية.
كما احتفت مكتبة محمد بن راشد باللغة العربية مؤخرًا، بتنظيم أمسية استثنائية، فنية وثقافية للفنان والمُلحن التونسي لطفي بوشناق، كشف من خلالها عن جماليات الشعر العربي الفصيح المُغنى، وناقش التحولات التي طرأت على الأغاني العربية عبر الزمن، وكذلك نظرة وتعامل الجيل الجديد مع اللغة العربية.
وتحمل إقامة هذه الفعاليات أهمية كبيرة حيث تسهم في إبراز الدور المحوري للغة العربية في تراثنا وثقافتنا، وتعزيز الوعي بأهمية اللغة العربية كجزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والوطنية إلى جانب توفير منصة للتعريف بغنى اللغة وتنوعها.
جائزة محمد بن راشد للغة العربية
نظمت مكتبة محمد بن راشد، جائزة محمد بن راشد للغة العربية في نسختها لعام 2023، والتي خصصت نحو مبلغ 2.8 ملايين درهم إماراتي (750 ألف دولار أمريكي)، توزع بواقع 257 ألف درهم إماراتي (70 ألف دولار) عن كل فئة من فئات الجائزة، التي تندرج تحت محاور التعليم، والتقانة (التكنولوجيا)، والإعلام والتواصل، والسياسة اللغوية والتخطيط والتعريب، والثقافة والفكر ومجتمع المعرفة. وتعكس هذه الأرقام رؤية المكتبة في دعم النهوض باللغة العربية ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلمها وتعليمها، إضافة إلى تعزيز مكانة اللغة العربية وتشجيع العاملين على نهضتها.
مركز الترميم
في إطار حرصها على الحفاظ على المخطوطات العربية وضمان وصولها للأجيال القادمة، أسست مكتبة محمد بن راشد برعاية من «اتصالات e&»، مركزًا متكاملاً لتقديم خدمات الترميم والمعالجة الفنيّة لمختلف أنواع المقتنيات النادرة من كتب ومخطوطات بمختلف اللغات ومن بينها اللغة العربية.
يضم المركز أحدث الأجهزة والأدوات والتقنيات الحديثة اللازمة لعملية ترميم الوثائق والكتب، بالإضافة إلى تصوير الكتب والخرائط والمخطوطات وغيرها من الأعمال المكتوبة، ثم رقمنتها أي تحويلها إلى صيغ إلكترونية قابلة للنشر والتوفر في مختلف المنصات الإلكترونية للباحثين والعلماء والطلاب.
ويسهم مركز الترميم في الحفاظ على الكتب والمقتنيات النادرة باعتبارها شكلا من أشكال المحافظة على التطور البشري واستمرار الحضارة الإنسانية بمكوناتها؛ وذلك بإخراج المخطوطات النادرة أو الكتب بشكل يتناسب مع أسلوب عرضه في المتاحف والمعارض من خلال معاجلة التلف وترميم الأجزاء المهترئة دون الإخلال بالهوية التاريخية. كما يعد ضماناً لاستمرار الحضارة الإنسانية بوصفه رسالة تاريخية من الماضي إلى الحاضر والمستقبل ومرآة تعكس الحياة الإنسانية في مراحلها التاريخية.