رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
روحٌ مميزة تعيشها الإمارات، مملوءة بأجواء مفعمة بالتلاحم والتضحيات وحبِّ الوطن والولاء للقيادة، في المحن تظهر معادن الناس، هكذا قالوا قديماً، والإماراتيون أثبتوا اليوم ذلك، فقد تجاوزوا المحنة بصلابة وقوة، وخرجوا منها وهم أكثر حباً لوطنهم، وأكثر ولاء وتلاحماً مع قادتهم، وقادتهم أثبتوا أنهم أكثر حباً وإخلاصاً لهم.
ملحمة حقيقية رائعة وشجاعة، سيسطرها التاريخ بأحرفٍ من نور، وتتناقلها الأجيال، تماماً كما تناقلنا نحن ومن سبقنا سيرة الشجعان من العرب الأوائل، وكما خلّد التاريخ شجاعتهم، ومواقفهم، وبطولاتهم منذ مئات السنين.
رجالٌ بواسل لبّوا نداء الوطن، وذهبوا إلى ساحة المعركة دفاعاً عن الحق والدين والوطن والشرف، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ضحوا بأرواحهم، ورفعوا رؤوسنا وهاماتنا عالياً، طلبوا الشهادة ليُهدوا أطفالهم وأطفالنا، حياة كريمة، ومستقبلاً أفضل.
قادةٌ في قمة التواضع، لم يبخلوا على شعبهم بشيء، وبذلوا أقصى جهدهم ليعيش المواطن الإماراتي بكرامة ورفاه.
مشاهد لن تنساها الذاكرة، قلَّما يجود الزمان بمثلها، رأيناها هُنا في الإمارات، عشناها واقعاً، وستشهد عليها أعيننا وذاكرتنا ما حيينا، أهالي وإخوة وأولاد شهداء فخورون بتضحية أبنائهم، ويتمنون لو يُرزقون الشهادة مثلهم، في جميع خيام العزاء لا تسمع سوى جمل متشابهة، قيلت من القلب دون مجاملة أو رهبة «أولادنا فداء للإمارات»، «إنهم شهداء الوطن والواجب»، «لن نوفّي الإمارات حقها»، «كلنا تحت إمرة شيوخنا وقادتنا»..
ملحمة وطنية بكل معنى الكلمة، حيث تجد والداً فَقَدَ ابنه، ومع ذلك يقول: «مستعد لتقديم بقية أولادي، ليفوزوا بالشهادة مثل أخيهم»، وأمّ شهيد تقول: «كلنا نفدي الوطن»، وابن شهيد يقول: «أمنيتي أن أسير في الطريق نفسه، وأستشهد مثله». وتجد أخاً يرفع اسم أخيه من القائمة، ويذهب إلى ساحة المعركة بدلاً منه، فيستشهد برغبة صادقة، وتجد شهيداً في آخر رسالة منه لأبنائه، يوصيهم بعدم الحزن والبكاء عليه، بل عليهم أن يرفعوا رؤوسهم ويفخروا، ويُضحوا من أجل دولتهم، وجريحاً يطلب إرجاعه فوراً إلى ميدان المعركة، قبل أن يلتئم جرحه، ليُقاتل ويثأر لأصدقائه.
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء يُعزّي الأسر والعائلات متنقلاً بين إمارات مختلفة، قاطعاً مسافات بعيدة، ليزور أكثر من 33 بيتاً في يومين، قائدٌ بمرتبة نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يزور الجرحى ويقبّل رؤوسهم وأيديهم بكل حبٍّ وحنان وأبوة وأخوة صادقة، دولةٌ بأسرها تقف خلف قادتها، وتشدّ من أزر جنودها، وتُشاركهم معنوياً كل لحظة بلحظتها، وهم في الخطوط الأمامية، جنديٌّ قضى أكثر من 50 يوماً في خندقه ممسكاً بسلاحه، لم يغادره إلا لقضاء حاجة، ومع ذلك وجدناه فرحاً مبتسماً، مردداً: «لا أفعل إلا الواجب، وإما النصر أو الشهادة».
سمعنا مثل هذه القصص في سيرة الأولين، وقرأنا عن هذه الشجاعة في كتب التاريخ، لكننا نعيشها اليوم واقعاً حقيقياً في الإمارات، سطرها أبناء الإمارات بسواعدهم في كتب الشرف والعزة والكرامة، لم يزعزعهم حاسد أو ناقم أو عدو، بل هم من زعزع كل حاسد وناقم وعدو، فعلاً لا قولاً.
المصدر: الإمارات اليوم