قرأت في صوته حزناً و شبه يأس. زاد إلحاحي في السؤال عن نبرة الحزن في صوته فاعترف: لعلها أزمة منتصف العمر! علّقت ساخراً: تقصد أزمة آخر العمر يا صديقي؟ فصرخ معاتباً: «الشرهة» على من اتصل بك ظاناً أنه سيجد ما يواسيه في مكالمتك! ضحكنا قبل أن يبدأ درسنا في فلسفة العمر و الحياة: عرفت شباباً في عز الشباب لكنهم يعيشون يومهم بعقلية «قدمه على حافة القبر». لا يرون في حياتهم سوى البؤس و الإحباط. يلومون العالم كله في سوء أحوالهم لكنهم لا يعترفون بأي مسؤولية و لا يقدرون على خوض أي تجربة أو مغامرة. و مهما تحسنت أحوالهم فزمنهم يتوقف عند الثلاثين أو الأربعين من العمر. و في المقابل عرفت من دخل السبعين من العمر بروح شابة وثّابة لا تتوقف حياتها عند سن معينة. قال لي صديق لوالدي بلغ الثمانين من عمره أو أكثر إنه يشعر بحيوية لا يشعر بها كثير ممن في سن أحفاده. أصدقه. رأيته دائم الابتسامة، متفائلا بالغد، لم يتوقف يوماً عن نشاطه في التجارة و زيارة الناس و حضور مناسبات الأقارب. هنا سر حيويته. إنه ينتمي لفكرة ترى في الحياة معركة ممتعة مهما هُزمنا في بعض فصولها. عرفت تجاراً دخلوا دائرة الإفلاس ثم نهضوا من جديد. لكنهم تعلموا من الخسارة أكثر مما تعلموه من الربح. قال لي أبي يوماً: ما عرف الفقرمن خرج من بيته قبل شروق الشمس. و القصد هنا العمل الجاد و طلب الرزق و الاجتهاد في البحث عن الفرص. و لكن من منا من لم يمر يوماً بتجربة سيطر فيها اليأس و الإحباط عليه ؟ و من قال إن كل من يُنّظر في فلسفة الحياة و يحث على التفاؤل لا يمر هو نفسه بساعات يأس وإحباط يسأل فيها أسئلة «منتصف العمر» حتى لو كان في بداية العمر؟ تلك هي الحياة يا صديقي: تفاؤل و يأس. فرح و حزن. بداية و نهاية. وهي معركة كبرى علينا أن نجتهد في الانتصار – قدر المستطاع – في أكثر فصولها. انهض يا صديقي، ارم عباءة يأسك، و انطلق في تجربة جديدة بطموح شاب متوقد الحماس، وبثقة المنتصر في أكبر معارك الحياة!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٠٧) صفحة (٢٨) بتاريخ (٠٦-١٠-٢٠١٢)