عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
في تفسير وحشية داعش، ذهب غالبية من الكتاب والمعلقين العرب إلى النبش في التاريخ العربي الإسلامي بحثاً عما يعتبرونه جذوراً لوحشية «داعش».
ليسوا مخطئين بالمطلق، لكن أن يقدم هذا التفسير على أنه الوحيد، فإن أصحابه يقترفون نفس الخطأ الذي تقترفه «داعش» نفسها ومؤيدوها ورجال الدين المصابون بالتأتأة واللعثمة وأجيال من العرب والمسلمين، خطأ الخلط بين «التاريخ» و«الدين».
فالمشكلة الجوهرية الكبرى التي توقع العرب والمسلمين في معضلة أقرب للانفصام هي الخلط المستمر بين «وقائع التاريخ» وبين «مبادئ الدين».
يعود جزء كبير من هذا الخلل إلى «القداسة» التي يضفيها الخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي (الرائج حتى اليوم) على كل ما يتعلق بالماضي وشخوصه الى الحد الذي يتماهى فيه التاريخ بالدين بشكل جعل من السهل تحويل وقائع التاريخ الى جزء من الدين.
خطاب لا يتعامل بعقلانية مع التاريخ على اعتبار انه من صنع واجتهاد البشر بل يضفي عليه وعلى شخوصه قداسة تنفي التعامل العقلاني مع الشخوص والوقائع التاريخية وتقف سداً منيعاً أمام اي تعاط عقلاني معها.
مشكلة اصحاب هذا القراءة انهم يقرأون وحشية «داعش» وحتى التاريخ في سياق ضيق جداً يكاد يحصر ظاهرة الوحشية على التاريخ العربي والإسلامي، في حين انها ظاهرة مرتبطة بالإنسان في كل مكان وفي جميع الأزمنة. القصد من هذا ان البحث في وحشية «داعش»، يجب ان ينظر اليه في سياق استقراء وتحليل للسلوك الانساني نفسه وليس باعتباره إحدى تجليات فكر ديني متطرف فحسب.
تتداعى الى الذاكرة مشاهد مماثلة لهذا التباهي بالوحشية الذي تمارسه داعش، هي ما كان يجري في حقبة الفاشية في ايطاليا ايام الدكتاتور بنيتو موسوليني في عشرينيات القرن الماضي. فقد كانت دور السينما في ايطاليا في تلك الفترة تعرض افلاماً لفظاعات مماثلة يرتكبها الجنود الإيطاليون في إثيوبيا من باب التباهي أيضاً.
لكن رد الفعل الأهم على تلك الوحشية والتباهي بها جاء من علماء النفس في أوروبا الذين اصابهم الفزع جراء هذا الميل نحو الوحشية لدى الإيطاليين الذين عرف عنهم حب الفنون والحياة.
في سياق محاولة فهم هذا التحول في سلوك الايطاليين، لم يلق أحد بالمسؤولية على الكاثوليكية وتعاليمها بل على «الفاشية» وما أحدثته من انقلاب في سلوك وذهنية الإيطاليين. ورغم انها تحولت الى ابتزاز رخيص، ماذا عن أفران الغاز في الهولوكوست؟ لم يتم لوم مبادئ البروتستانتية بل الفكر النازي.
وحتى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، شهدت اميركا ممارسات مشابهة كانت سميت بتلطيف «القتل خارج القانون» خصوصاً تجاه الأفارقة الأميركيين. وحسب تشانسي ديفيجا في موقع «البديل» الذي يديره «معهد الصحافة المستقلة – IMI».
فقد قبض عشرات من البيض في ولاية جورجيا على رجل أسود يدعى سام هوس اتهم باغتصاب امرأة بيضاء و«علقوه على شجرة والحطب مكوم تحته وقطعوا أذنه وأعضاءه التناسلية وألقوه في النار وبعد ان تفحمت جثته قاموا باستئصال قلبه وكبده وباعوا أجزاء من عظامه وبقايا جسده لمن لم يتمكن من الحضور ولم يعاقب أحد منهم». (اقرأ: داعش أحرق إنسانا حياً، الأميركيون البيض فعلوا الشيء نفسه مع آلاف السود.
استقراء الوحشية في السلوك البشري ستقودنا حتما الى التاريخ الاستعماري بدءاً من الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر منذ استيطان الأوروبيين لقارتي اميركا الشمالية والجنوبية. ما في هذا السجل ليس قصصاً تقرأ على سبيل التسلية، بل يتعين ان تدرس ضمن محاولة للإجابة على سر التحول في سلوك الإنسان وميله نحو الوحشية.
ان الوحشية سلوك لدى الانسان بالدرجة الأولى حتى لو التمست مبررات موروث ذي طابع ديني. الخلط بين التاريخ والدين الذي تمارسه «داعش» وتبرر به وحشيتها هو نفس الخلط الذي يمارسه من يحاولون تفسير وحشيتها هذه، فكلا الفريقين يتجادلان في ساحة واحدة.
ففي كل الوقائع التي وردت في السجال الذي بدأ منذ نشر مشاهد حرق معاذ الكساسبة، يدور السجال حول وقائع تاريخية مرتبطة ببعض الصحابة وتفسيرات لاحقة لمجتهدين وتأويلاتها وكل هذه الوقائع هي نتاج اجتهاد بشري غير منزه عن الخطأ تماما مثل أي سلوك إنساني.
سلوكيات تماثل ما حدث في القرن العشرين بل وحتى اليوم سواء تعلق الأمر بمذابح راوندا وبوروندي (كان القساوسة المسيحيون يشاركون في قتل الخصوم بالسواطير) أو التطهير العرقي في حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي أو سجل القمع الدموي للنظامين البعثيين في دمشق وبغداد على مدى أربعين عاماً.
ومثلما كانت الفاشية والنازية وفظاعات المستعمرين نتاجاً لثقافة ومنظومة قيم سائدة في وقت ما، فإن دموية «داعش» ووحشيتها ليست استثناء من هذا. لا يمكن فهم وحشية «داعش» خارج السياق التاريخي الذي ولدت فيه كل حركات التشدد الديني منذ منتصف القرن العشرين على الأقل.
فالتطرف بكل ما يمثله من انحرافات في السوية البشرية ثمرة طبيعية لأوضاع غير طبيعية واستثنائية، اللهم إلا إذا حسب أحدهم الميراث الدموي لحزب البعث أمراً طبيعياً وسحابة صيف والقمع والإذلال وانتهاك الكرامة عموماً أموراً من سنن الحياة.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-02-11-1.2308714