مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
تأملت كثيراً في موقف أحدهم خلال أحد المنتديات التي تواجدت فيها، وبقدر ما أضحكني الموقف، فإنه أحزنني في الوقت نفسه، فقد بدا لي ذلك الشخص متباهياً بشكل لافت وهو يغادر كرسيه ويعود أكثر من مرة دونما سبب ظاهر، إلا أنني ربما كنت الوحيدة التي أعلم السبب، كان يبدو وكأنه يقول أنا هنا! ولكن بلغة جسده لا بالكلمات. نسيت أن أنوه بأنه كان يجلس في مقدمة الصفوف الأمامية المخصصة لكبار الضيوف، كما فاتني أن أنوه كذلك بأن الرجل لم يكن علامة بارزة في أي مجال قبل سنتين أو ثلاث، قبل أن يغامر بالدخول في جوقة مشاهير السوشال ميديا وله مئات الألوف من المتابعين!
كنت على اطلاع بأنه يتردد على أحد كبار الصحفيين راغباً في أن يصبح كاتباً، وقد كانت لديه بضع محاولات في الكتابة، إلا أنها محاولات ساذجة، حيث لا يمتلك أية موهبة في هذا المجال، إلا أنه في كل مرة ترفض فيها كتابته كان يقول: إنهم يرفضونني لأنني مواطن، لا يريدون شخصاً ينافسهم، وإنهم خائفون على كراسيهم.. إلخ من هذا الكلام الذي لا علاقة له بالواقع.
لقد كان يبحث عن مكان تحت الأضواء، عن الشهرة والتواجد وسط المشاهير، عن النجومية التي تمنح صاحبها هذا الضجيج الذي يملؤه بالاعتراف بلا شيء، فما يقدمه اليوم رغم آلاف المتابعين، عبارة عن ساعات كاملة من الثرثرة الفارغة عن تفاصيل يومه ومشاهداته وملابسه وممتلكاته و… إلخ، أمثال هؤلاء لا يسدون فراغاً في الإعلام ولا يقدمون حاجة، إنهم يستغلون وجود أعداد هائلة من البشر يعانون من الفراغ ويرغبون في التسلية وقضاء أوقات فراغهم مع أشخاص أشبه بمهرجي السيرك يملؤون وحدتهم لا أكثر!
حين وقعت عيناه عليّ وأنا أتأمل تحركه اللافت أيقنت بأنه سيسعى ليتحدث إليّ، وبرغم تباعد مكانينا إلا أنه رفع يده فابتسمت له على البعد، حين خرجت جاءني مسرعاً، سألني ذلك السؤال المتوقع: لماذا تجلسين في الصفوف الخلفية، مكانك في الأمام، ابتسمت مجدداً وقلت له بهدوء: الأمام حيث نضع أنفسنا لا حيث يضعنا الآخرون!
المصدر: البيان