كاتبة لبنانية
يقول الخبر إن عددا من أعضاء مجلس الأمن، وخلال اجتماع غير رسمي للاستماع إلى إفادات بشأن استخدام النظام السوري للغاز السام، ذرفوا الدموع تأثرا بعد مشاهدتهم لفيديو يحاول فيه أطباء سوريون إنقاذ حياة ثلاثة أطفال صغار أصيبوا بقصف بهذه الغازات.
السفيرة الأميركية قالت إن الاجتماع كان «مثيرا للمشاعر».
لا تهدف الإشارة إلى هذه الواقعة إلى التشكيك بتأثر المسؤولين الدوليين وإن بدا لافتا أن هناك من لا يزال يتأثر بالموت السوري. والاستغراب أيضا ليس لضعف في درامية المأساة السورية بل لحقيقة أن هناك في العالم من تصيبه المقتلة السورية بالألم.
لقد تأقلمنا في الأشهر الماضية على أن تنحصر الفجيعة والإدانة بارتكابات «داعش» فيما حظي إجرام نظام الأسد بالكثير من التعتيم والاستهانة بل وأحيانا بالقبول الضمني..
نعم، نحن بحاجة لأي وسيلة تساعدنا على مقاومة تلك البلادة الجماعية المتفشية حيال ما يرتكبه النظام السوري وحيال خبر الموت السوري. فلا البراميل المتساقطة على مدارس وطلاب حلب ولا الأجساد المتراكمة تحت التراب أو ذاك الحصان الذي قتل وحيدا قادرة جميعا على لفت الاهتمام. حصل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على بعض من التغطية الصحافية؛ لأن تنظيم داعش حاصره وكاد أن يسيطر عليه فيما الجوع والموت الذي أنهك أجساد سكانه على مدى عامين من إطباق النظام عليه لم يلفت الاهتمام.. ما الحل لنعيد الاعتبار للمأساة السورية التي يحمل النظام مسؤوليتها الكبرى والمؤسسة. لا شك في أن ركود التفاعل وثقل المشاعر يظهران كجدار سميك يصطدم به الموت السوري، بل حتى أخبار «داعش» باتت تبهت بعض الشيء وتتراجع أمام تعودنا عليها.
وسط كل هذه البلادة ظهر الأسبوع الماضي شريطا فيديو من حلب ومن اليرموك.
في شريط اليرموك يظهر شابان يجولان في المخيم يستعرضان ما به ويسخران من حال الجوع والحصار والموت فيه. أما من حلب فظهر فيديو لقصي وهو صبي حلبي، بعنوان «مو معقول»، وفيه نقد بسيط ساخر من كلام لشابة من حلب تنتقد الأوضاع في سوريا وتشكك بمسؤولية النظام عن إلقاء البراميل المتفجرة مكثرة من استخدام كلمة «مو معقول»..
الصبي الحلبي أيضا سخر من مأساة حلب مدينته ومدرسته التي دمرها بشار الأسد..
إنها دفاعات فردية متناثرة ضد الخواء والجنون المطلق.
هذه الأشرطة من حلب واليرموك تظهر قهرا يجاوز الدم فتصبح الابتسامات وعاء للهواجس والخوف والرعب وما تلك الانفعالات والتعابير التهكمية وبعض الضحك سوى فائض من العتب الكبير.
إنه وسيلة شبان اليرموك وصبي حلب للدفاع عن أنفسهم ضد الموت..
قبل يومين من شريط صبي حلب وصلتنا صور قصف مدارس المدينة بالبراميل المتفجرة، وفي واحدة منها صورة بدت لأول وهلة وكأنها منحوتة. ظهر جسدا معلمتين وهما لا تزالان جالستين على كرسي في الصف لكنهما من دون رأس فيما التراب يعلوهما.. طبعا معايير النشر حالت دون انتشار تلك الصورة لكن الفيديوهات الساخرة وصلتنا جميعا.. يجب التفكير فعلا بعلاج لهذا الخمول المخزي حيال المأساة السورية. ما هو الطريق إلى إعادة الحياة للمشاعر حيال هذا الموت الكبير..
كانت السخرية سلاحا استخدمه السوريون منذ بداية ثورتهم إلى جانب خبر موتهم. اليوم تراجع الاهتمام بالمأساة وبقيت السخرية التي قد تكون سلاحهم الأخير..
فهل سيكتفي المجتمع الدولي بذرف الدموع من حين لآخر فيما السوريون يسخرون من ألمهم..
فعلا مو معقول..
المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/340756/