كاتب سعودي
“كيف حدثت قضية الرشوة، وما تفاصيلها؟”.. و”من المسؤول عن ذلك؟”.. و”كيف استطاع الأخصائي الفني في الشركة الحصول على الرشوة مقابل بيع معدات وأجهزة صناعية؟”.. و “لماذا لم تتم محاكمة الموظف عن جريمة الرشوة؟.. و”من هم المخولون بالتوقيع على العقود؟”.. و”ما هي القضايا المماثلة التي اكتشفتها أرامكو على مدى السنوات الماضية؟” وأخيراً “من يراقب شركة أرامكو؟”.
الأسئلة السابقة أثارها العديد من القرّاء والكتّاب بخصوص قضية الرشوة المرتبطة بشركة “تايكو” والمتهمة بتقديم رشاوى لمسؤولين في عدة دول خليجية، إلا أن المسؤولين في شركة أرامكو قللّوا من أهمية هذه الأسئلة بالقول بأن: “المخالفات التي حدثت في عامي 2003، 2004م، محدودة فيما يتعلق بنطاقها ومبالغها والموظفين المتورطين فيها، وقيمة العقد المرتبط بها”، ورغم الوجاهة المنطقية لهذا التصريح، إلا أنه نظراً لعدم وجود محاكمة للموظف المرتشي، فإنه يصعب معرفة التفاصيل بالشكل المطلوب، مع العلم أنه في بعض الأحيان تكون قيمة المبالغ المودعة في حسابات البنوك في مثل هذه القضايا متواضعة نسبياً، وخاصةً في السنوات الأولى، ولذلك يجب تتبع المبالغ التي حولت إلى الحسابات البنكية ومعرفة مصدرها، وكيفية سحبها، والذي قد يظهر فيما بعد وجود مبالغ أخرى عالية نسبياً وليس هذا فحسب، بل قد يظهر وجود شركات وسيطة وعقود وهمية وفواتير مزورة، وأطراف أخرى متورطة في مثل هذه القضايا.
والأهم من ذلك كله، أن تصريحات أرامكو قطعت الطريق أمام أية مطالبة تنادي بإخضاع الشركة للرقابة الحكومية، فتارةً تقول إن لدى الشركة نظام رقابة داخليا قويا وفعّالا، يتم من خلاله كشف حالات الغش والفساد، وتارةً أخرى تقول إن لدى الشركة إدارة تدقيق داخلي تابعة لمجلس الإدارة لضمان تحقيق الأهداف التشغيلية والمالية، كما أن أعمال الشركة تخضع لتدقيق شركة عالمية متخصصة بناءً على توجيهات المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن في المملكة وبالتالي فإن شركة أرامكو وفقاً لهذا التصريح خاضعة للمساءلة والرقابة، لذا ليست هنالك حاجة للرقابة الحكومية. وهذا الكلام صحيح إلى حد ما، ولكن تبقى تصريحات أرامكو في أدبيات المراجعة والتدقيق مجرّد تأكيدات من الإدارة المسؤولة بالشركة، تحتاج إلى فحص واختبارات لإضفاء الثقة وبالتالي الاعتماد عليها، وذلك عن طريق جهة مستقلة، وفي مثل هذه الحالة تكون شركة التدقيق أو المراجعة هي المسؤولة عن تقييم أنظمة الرقابة الداخلية على العمليات المالية فقط، ولكن يبقى السؤال: هل شركة التدقيق العالمية التي تراجع حسابات أرامكو أشارت إلى وجود مخاطر التلاعب والغش والفساد أو كشف حالات للتزوير أو الرشوة؟..هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فبعد فضيحة الشركة الأميركية العملاقة “إنرون” وتواطؤ شركة التدقيق “آرثر أندرسن” معها، زادت المطالبات بالتدخل الحكومي على مثل هذه الشركات وفرض الرقابة عليها، هذا بالإضافة إلى أن شركات التدقيق لا تقوم بالمراجعة التشغيلية أو رقابة الأداء وإنما تقوم بها إدارة المراجعة الداخلية، وبالتالي فإن أنظمة الرقابة الداخلية على العمليات التشغيلية لا يتم فحصها وتقييمها من قبل جهات مستقلة، وكما هو معلوم فإن رقابة الأداء ومعاييرها صادرة من أجهزة الرقابة الحكومية وتكاد تكون هي الوحيدة التي تقوم بهذا النوع من الرقابة.
قد يعترض معترض هنا ويقول: “إن الشركات الكبرى وخاصةً مثل شركات أرامكو يضرب بها المثل في الإدارة والرقابة المهنية، وإن وكثيرا من المنظمات الحكومية والخاصة تحتذي بالنماذج الإدارية لأرامكو، كما أن الشركة تتعاقد مع الشركات العالمية في مجال الاستشارات الإدارية، فمن يستطيع من الجهات الرقابية تقييم مثل هذه الأنظمة المتطورة، وخاصةً أنها تعاني من البيروقراطية وضعف الإمكانات وقلة الكفاءات المهنية؟”.
الاعتراض السابق لا يخلو من الحقيقة، ولكن يظل وجود جهات مستقلة للتقييم والمراجعة مطلبا ضروريا، هذا بالإضافة إلى أن الجهاز الأعلى للرقابة للدولة والمتمثل في ديوان المراقبة العامة يمارس رقابة الأداء وهو الجهاز الوحيد في المملكة الذي يقوم بهذه المهمة.
وعلى هذا الأساس، أستطيع القول إنه يوجد فراغ رقابي على الشركات الكبرى مثل شركة أرامكو فهي لا تخضع للرقابة الحكومية المستقلة، وهذا ما صرّحت به ضمنياً شركة أرامكو، كما أن أحد أعضاء مجلس الشورى صرّح في الصحف المحلية بالقول بأن: ” شركة أرامكو السعودية مملوكة بالكامل للدولة، وليس لها حملة أسهم ولا جمعية عمومية تراقب أداءها، وبالتالي فهي واحدة من الأجهزة الحكومية، ولا يغير من هذه الحقيقة كونها تدار حسب مبادئ وأساليب إدارة الأعمال، فالعبرة هنا في الملكية وليست في أسلوب الإدارة المتبع.. وما لم يراقب مجلس الشورى أداء شركة أرامكو… ستكون مراقبة الأداء قاصرة وناقصة”.
والجدير بالذكر أن لوائح ديوان المراقبة تنص على مراجعة وتدقيق المؤسسات والشركات الخاصة التي تمتلك الدولة نصيباً فيها يبلغ 25% أو أكثر “رقابة مالية ورقابة أداء”، وعلى شركات التدقيق تزويد الديوان بما استخدموه من برامج مراجعة إلى جانب نسخ من التقارير التي يوضحون فيها المخالفات المالية التي يتم اكتشافها.
وعلى أية حال يجب الاعتراف بأن كثيراً من الشركات الحكومية الكبيرة تقاوم قيود التشريعات الحكومية ومن ضمنها الرقابة، لأنها ترى أن مثل هذه التشريعات تحد من حريتها في أداء أعمالها وأنشطتها والتي تنعكس بالسلب على نتائجها وتحقيق أهدافها، لذا فإنها دوما تتعذّر بسرية المعلومات أو بوجود شركات تدقيق تقوم بمراجعتها. وعلى الرغم من الجدل حول سيطرة السلطة التشريعية على مثل هذه الشركات، تظل الحاجة إلى وجود رقابة مباشرة للسلطة التشريعية وخاصةً عندما تضع على سبيل المثال سياسات التسعير أو تضع قيوداً على استخدام الأرباح أو عند ظهور قضايا فساد، عندئذ يمكن لإدارة هذه الشركات أن تعمل وفق اختياراتها ولكن في حدود السياسات العامة والتشريعات الحكومية.
المصدر: الوطن اون لاين