إعلاميّة إماراتيّة ، مديرة إذاعة دبي FM
مصر الأرض الطيبة التي لا تزال تنتظر كل ليلة إبنها الضال أن يعود..، ثمّ تستيقظُ كل صباح لتشهد أنّ الصراع في الوادي لم ينتهي وأن الحدّوتة المصرية لا تزال في بدايتها وأنّ إبن النيل نسيَ طعم ماء النيل! مصر التي تقول بصوت نجاة الصغيرة لكل من تسكنُ قلبه ” لو بتعزّني” حافظ عليّ ولا تُهدر تاريخي ولا تستهين بإختياري وثورتي ويقظتي العتيّة. مصر التي تٌعاتب الذي يُزايد على حبّها بالقتل والعنف والخيانة ، تصرخ في وجهه ” حبّ إيه اللي إنته جاي تقول عليه ! ” أيّ سيرة حب ستحكي الأرض لأبنائها وأي سكّة للعاشقين ستبني ل ” أعزّ الناس” ! مصر التي يتناهشها “اللص والكلاب” ويذهب أبناؤها المخلصين “وراء الشمس” وتبحث عن “الفانوس السحري” لتخرج من عنق الزجاجة التي بدأت تضيق أكثر وأكثر، تبحث عن طوق نجاةٍ أخير علّها تنجو من الغرق!
هي التي كثُر مشاغبيها فملّت ولم تستطع حتى الآن أن تبدأ درسها الصباحي، تُريد منهم أن ينهضوا ويكتبوا ويُبدعوا ويٌنجزوا ولكن طلاّبها يهربون ويتسرّبون ” ولا من شاف ولا من دري”! مصر التي يسكنُها ” شيءٌُ من الخوف” وأشياء كثيرة من كرامةٍ وكبرياءٍ وتضحية، مصرُ الباشا والبيه والهانم ..، مصرُ المعلّم والفتوّة والجلباب و”قهوة الماوردي”، مصر التي تعيش لياليها بين إستيقاظ وحراسة وتمرّد وثبات ولا عكاشة ليكتب التاريخ لها ولا شاهين ليوثّقه ولا بليغ ليُلحّنه ولا ليلى لتُغنّيه!
وهل غيرها جمعت العرب على مر السنين وجعلت من قاهرتها، المدينة القاهرة لكل الظروف؟! الأرض التي عاش عليها أنور وجدي في بدايات القرن الماضي مختالاً بين نساء الطبقة الراقية وسيدات الفن بإبتسامته ووسامته نجماً دون منازع، وكانت فاتن فاتنتُها قبل أن تُصبح سيّدتها وفاطمتُها وضميرها، والتي على شاشاتها تحوّل رشدي أباظة إلى كازانوفا غراميّات وإلى حلم كل فتاة عربية وقدّم زوجته الـ 13 ، وهي التي صدحت بين جنبات مسارحها كوكب الشرق أم كلثوم ” أراكَ عصيّ الدمع” فلم تبكي ولم تنتكِس ولم تهزّها الرياح ، وهل غيرها يأتيها المُبدع راغباً قي شهرتها ولا تردّه بل تُكرمه وتجعل منه نجماً فريداً ومن عوده أيقونة ملازمة له ومن أخته أسمهان أسطورة؟! مصر التي تربّع على عرش شعرها الأمير أحمد شوقي، مصرُ التي في خاطر ودم أحمد رامي والتي كتب عن حاراتها الشعبية وقلوب أهلها الطيبيين نجيب محفوظ، وغنّى عن عفويتها وجمال روحها سيّد درويش، مصر تشتعل فيها النار اليوم .. ويشاهد إشتعالها أكثر من نيرون ويحترق بنارها أكثر من بطل! ويحزُن لأجلها كلّ مواطنٍ عربي أصيل.
مصر التي كانت في قلب وردة.. وردة، وفي مشوار صباح .. صباح، ولذكرى أمينة … أمينة، مصر التي لا يزال عبدالحليم في ذاكرتها يهواها وتهواه ويكتب لها رسائلُه من تحت الماء، مصر تبحث اليوم – ونحن معها- عن من يعلّمها فن العوم! فمن يا تُرى يأتي ليعلّمها فن العوم؟!
خاص لـ ( الهتلان بوست )