رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
لا أظن أن هناك مَن فُوجئ بالخطوة السعودية – الإماراتية – البحرينية بسحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة. المفاجأة، إذا صح التعبير، في التوقيت وحده. لو اتخذ القرار قبل عام أو عامين فسيكون الأمر متوقعاً. الكل يعلم، وأولهم الأشقاء القطريون، أن سحب السفراء جاء نتيجة تراكمات لم تعد سراً، ولم يعد مناسباً دفنها تحت السجاد. باختصار، قالت الدول الثلاث للجار العزيز كفاية ثلاث مرات: يكفي تدخلاً في الشؤون الداخلية، ويكفي دعم أطراف تهدّد دول المجلس، ويكفي دعم وسائل إعلام معادية.
لكن ما الذي الذي دعا دول الخليج لأن تخرج عن هدوئها المعتاد، بل المبالغ فيه كثيراً، وتتخذ واحداً من أخطر القرارات ضد دولة عضو؟ تاريخ مجلس التعاون القصير يُنبئنا بأن دول الخليج انتظرت أكثر من 15 عاماً وهي تراقب وتتحفظ وترفض، وحتى تغض النظر عن سياسات قطرية تناكف حيناً وتخالف أحياناً وتخاصم حيناً ثالثاً، حتى استمرأت الدوحة سياستها هذه وراهنت على أريحية جيرانها، كما استمرأت نقض التزامها وتعهداتها دون أي ردة فعل من قِبل المتضررين، بل ذهابها بعيداً عمّا توافق عليه من قرارات خليجية، لتفعل نقيضه سريعاً على أرض الواقع قبل أن يجف حبر التزامها أمام الجميع.
يقول البيان القطري، أمس، إن خطوة سحب السفراء سببها “اختلاف المواقف حول قضايا واقعة خارج مجلس التعاون الخليجي”، وهنا يحق للمراقب أن يتساءل: هل دعم الدوحة لأحزاب وجماعات تضمر العداء لدول الخليج قضية خارجية؟ وهل السلوك القطري في اليمن ودعم الحوثيين قضية خارجية؟ هل شتم الشيخ يوسف القرضاوي الإمارات والسعودية من على منبر رسمي قضية خارجية؟ وهل استضافة الدوحة مَن يشتم ويطعن في السعودية ليلاً ونهاراً قضية خارجية؟ وهل مخالفة التعهدات والالتزامات التي أقرّتها الدوحة مع أشقائها أيضاً قضية خارجية؟ مساحة المقال لا تفي بتعداد الاستفزازات القطرية لجيرانها ولا تدخلاتها في شؤون الدول الخليجية مرة بعد مرة بعد مرة.
لم يعد مناسباً تحويل الخلاف القطري – الخليجي على أنه فقط اختلافٌ في وجهات النظر أو حتى في السياسات الخارجية، غدا واضحاً أن هناك مَن يتلاعب بالأمن القومي الخليجي، مستغلاً روح مجلس التعاون الخليجي التي تسعى، حد الملل أحياناً، إلى استيعاب كل الخلافات داخل الأبواب المغلقة، مستغلاً حرص الدول الخليجية على أن يصمد المجلس أمام أي عواصف مهما كانت العواصف مصدرها الداخل الخليجي، ومستغلاً حلم الكبير وحرصه على إبقاء مساحة يتحرك فيها الجار، إلا أن هذه المساحة زادت وطغت وتجبرت إلى أن تحولت إلى بعبع يهدّد استقرار دول الخليج.
أما قناة “الجزيرة” التي كان، ولا يزال، دورها محورياً في بذر الخلاف وريه وحصده، فعراكها وإسقاطاتها وعداؤها ضدّ دول الخليج لا يحتاج إلى برهان. تستضيف كل مَن يشتم السعودية. تحتضن مَن يتطاول على رموز هذه البلاد. ثم يرد أشقاؤنا القطريون: لا دخل للحكومة القطرية في سياسات قناة الجزيرة. تبريركم صحيح، والدليل أن القناة لا تبث من قلب العاصمة الدوحة، ولا تموّل من قِبل الحكومة القطرية، ولا يرأسها أحد أفراد الأسرة الحاكمة!
ومع كل هذا، لو فعلتها الدوحة غداً وطابقت أقوالها مع الأفعال، لا أشك أبداً أن السفراء الخليجيين الثلاثة يعودون للدوحة بعد غد. قطر عمودٌ وركنٌ من أركان البيت الخليجي، لكن ما الحيلة إذا أراد هذا الركن أن يكون معزولاً ووحيداً بلا سقف أو جدران؟!
المصدر: الاقتصادية