شكلت درجات الفصل الدراسي الأول لطلبة الصف الثاني عشر صدمة لكثير من أولياء الأمور، الذين أكدوا أنهم لم يقصروا في واجبهم نحو أبنائهم، موجهين سبب «الإخفاق» في تحقيق النجاح في عدد من المواد الدراسية إلى القائمين على العملية التعليمية ومعدي الأسئلة في مجلس أبوظبي للتعليم وإدارات المدارس والمعلمين، حيث أكد بعضهم أن المعلمين لم يستوعبوا حتى يومنا هذا ما تتطلبه المناهج من مهارات خلال شرحها للطالب، فيما أكد البعض الآخر أن المعلمين انشغلوا عن شرح الدروس في الصفوف، ووفروا جهدهم للدروس الخصوصية، وردّها بعض الطلبة إلى إلغاء التشعيب وضخامة المنهاج وطول اليوم الدراسي الذي أرهقهم وأرهق معلميهم.
وكشفت نتائج الفصل الدراسي الأول عن تفاوت ملحوظ في نتائج امتحانات بعض المدارس الحكومية والخاصة، مقارنة بنتائج التقويم المستمر التي تتحكم فيه إدارة المدرسة.
وفقاً لآراء تربوية أكدت أن هناك أسباباً عدة لتدني مستوى تحصيل الطلبة، منها الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة جديد عالم التكنولوجيا، وضعف اهتمام الأهل والتواصل مع المدرسة، إضافة إلى تأخير تسلم الكتب، مشيرين إلى أنه بالرغم من كل تلك التبريرات، يبقى المعلمون وإدارات مدارسهم في قفص الاتهام بالتقصير في الاهتمام بالطالب ورعايته تربوياً وأكاديمياً.
وقال عدد من التربويين في مدارس أبوظبي ل «الخليج» إن ظاهرة ضعف التحصيل موجودة في مدارس كثيرة، وينبغي على الطالب بذل الجهود المضاعفة لتحصيل أفضل، مشيرين إلى أن هناك طلبة حققوا درجات عالية في المواد العلمية، فلماذا لا يقتنع الآباء بأن الضعف من الطالب نفسه الذي لا يحرص على مستقبله؟! لافتين إلى أن الضعف في التحصيل «تراكمي» لدى بعض الطلبة وقد حملوه معهم منذ سنوات عدة، وكان الأحرى بهم أن يواكبوا زملاءهم ممن تميزوا في التحصيل من خلال بذل الجهود والاهتمام بالدراسة وترك التسيب والاستهتار باليوم الدراسي، لافتين إلى أن أغلب الطلبة من الذين تدنى مستوى تحصيلهم هم من المتغيبين والمتسربين من الحصص.
التحصيل الدراسي
وقال محمد أبو كساب، مدير مدرسة خاصة في أبوظبي إن ضعف التحصيل الدراسي يبدأ في الظهور من مراحل الصف السادس وما فوق، فالطلبة من الصف الأول حتى الخامس يعتمدون كلياً على أسرهم، ويكونون تحت إشرافهم دراسياً، فيراجعون لهم ويتابعون تقدمهم، فنلمس الاهتمام بالطفل في هذه المرحلة، وتظهر على الطلاب قوة الحفظ والتحصيل، نتيجة التفرغ تماماً للدراسة، مشيراً إلى أن المشكلة تظهر في مرحلة المراهقة، حين يبدأ الطالب في الاعتماد على نفسه، ويرى أنه أصبح كبيراً، ويقل اهتمام أولياء الأمور بمتابعته لانشغالهم في أمور كثيرة عملية وأُسرية، فضلاً عن مرحلة المراهقة نفسها وما يتبعها من إشكاليات وعوامل نفسية واجتماعية، تؤثر في تركيز الطالب.
صعوبة المواد
وأرجعت مها الميسري الاختصاصية الاجتماعية في إحدى المدارس الخاصة في أبوظبي، ضعف التحصيل إلى أسباب عدة منها، صعوبة المواد الدراسية التي تحتاج إلى مراجعة يومية، فمع كل فصل دراسي جديد تختلف المناهج، وتزداد المواد صعوبة وتتكثف المعلومات، إضافة إلى مرحلة المراهقة وما تسببه من تغيرات في حياة الطلبة وشغل انتباههم واهتمامهم، وأحياناً تشتت تركيزهم الدراسي، وبالتالي انخفاض تحصيلهم ومستواهم التعليمي، لذا من واجب المعلم والإدارات المدرسية ملاحظة مستوى الطلبة لديهم، وتنبيههم دائماً، والتواصل المستمر مع أولياء أمورهم.
شيء طبيعي
وقالت أمينة الماجد مديرة مدرسة القادسية الثانوية في أبوظبي إن تراجع درجات الطلبة في امتحانات نهاية الفصل عن درجات اختبارات التقويم الشهرية شيء طبيعي، حيث إن الطالب يحصل على درجات في التقويم أعلى من الامتحان كون المدرسة هي من تقوم بإعداد الأسئلة وفقاً لمستويات طلابها، كما أن تلك الاختبارات لا تتجاوز مدتها حصة واحدة وتشمل دروساً قصيرة، كما أن الطالب في التقويم له مصادر أخرى لحصد الدرجات مثل أعمال البحوث والمشاريع التي ينجزها داخل الفصل وخارجه ويحصل درجات عليها، بينما الامتحان المركزي يشرف على إعداد أسئلته تربويون من الوزارة أو المجلس، ومن الممكن ألا تكون معظمها مراعية للفروقات الطلابية.
تأخير الكتاب
وأشار أحمد زكريا هارون مدير مدرسة خاصة إلى أن تأخير وصول الكتب إلى يد الطالب والمعلم أدى إلى نتيجة عكسية في الفصل الدراسي الأول، إضافة إلى أن تأخير تسليم الكتب الخاصة بمناهج وزارة التربية والتعليم للمدارس الخاصة تكرر هذا الفصل، ولكن بفضل جهود مجلس أبوظبي للتعليم ممثلاً بقطاع المدارس الخاصة وضمان الجودة الذي سعى لتوفير جميع الكتب الدراسية للفصل الدراسي الحالي، حتى يضمن تحقيق نواتج تعلم جيدة، لافتاً إلى أن المدارس الخاصة وزعت كتب الدراسات الاجتماعية واللغة العربية والتربية الإسلامية منذ وقت مبكر للفصل الثاني، فيما تستعد ابتداء من يوم الأحد المقبل توزيع كتب الرياضيات والمواد العلمية، بعد أن تم إدخالها إلى مستودعات المدارس يوم الخميس الماضي.
وأشار هارون إلى أن من أسباب تدني نتيجة الفصل الأول كثرة الأسئلة المهارات العليا التي لم تساعد الطلبة من متوسطي التحصيل من الإجابة عنها، ما أدى إلى رسوبهم أو تدني درجاتهم في المادة المعنية، لافتاً إلى أن الأسئلة المهارية للورقة الامتحانية يفترض أن تتدرج سنوياً بنسب معينة حتى يتعود عليها الطالب، فليس من المعقول أن يتمكن 150 طالباً من التعامل مع أسئلة الورقة الامتحانية باحترافية من أصل 1000 طالب.
مراعاة الفروق
وأكد عدد من طلبة الصف الثاني عشر في مدارس أبوظبي الحكومية، ومنهم الطالب حميد السعدي وسالم أبوبكر، محمد رضا، عمار بنان ومحيي الدين السمهوري أن تراجع درجات الطالب في نتيجة الفصل الأول سبب صدمة لهم ولآبائهم، مشيرين إلى أن نسبة كبيرة من الأسئلة كانت «مهاراتية»، ولم تُراع عند وضعها مسألة الفروقات الطلابية، وهذا أدى إلى تدني نسب النجاح في بعض المواد، لافتين إلى أن هذا العام هو أول عام لإلغاء التشعيب والعمل بالنظام التعليمي الجديد، كما أنه أول عام يتفرد مجلس أبوظبي للتعليم بإعداد أسئلة الصف الثاني عشر بدلاً من الوزارة.
وقالت سمية مبروك، والعنود الزعابي، وموزة سلطان وخلود الكثيري الطالبات في إحدى مدارس أبوظبي الخاصة إن من أسباب تدني التحصيل تأخير تسليم الكتاب للطالب منذ بداية الفصل الأول لأكثر من شهر، وإلغاء التشعيب، حيث صارت المواد العلمية كثيرة وإجبارية على الجميع بمن فيهم الطلبة من ذوي الميول الأدبية والذين ليس لديهم المهارات أو تقبل لدراسة أي مادة علمية وبالذات الرياضيات والفيزياء.
مراعاة الأوزان
وطالب محمد عبدالباري وسعيد حجاب وخالد المنهالي الطلاب في مدرسة خاصة بأبوظبي إعادة النظر في أوزان درجات الفصول الثلاثة، مشيرين إلى أن وزن درجات الفصل الأول ينبغي أن يكون 45% بدلاً من 25%، كون عدد أيام التمدرس أطول من الفصلين الثاني والثالث، ويكون الطالب في أوج نشاطه خاصة أنه جاء من إجازة طويلة، كما أن امتحان الفصل الثاني الذي تعتبر أيام التمدرس فيه أقل من 60 يوماً، حُدّد وزن درجات امتحانه 30%، فيما حدد وزن درجات امتحان الفصل الثالث 45%، لافتين إلى أن الفصل الأخير له سلبيات كثيرة تنعكس على أداء الطالب، منها دخول فصل الصيف وبدء شهر رمضان، حيث يكون العطاء في هذه الأجواء الحارة صعباً تؤثر في نفسية الطالب والمعلم، كما ناشد الطلبة وزارة التربية والتعليم بتقليل المقررات بما يتناسب وعمر الفصل الدراسي، ووضع أسئلة الامتحانات المهارية بنسب تدريجية في كل عام.
طول الدوام
وفي جانب ذي صلة دعا عدد من أولياء الأمور لتقليل ساعات اليوم الدراسي، لافتين إلى أن طول ساعات الدوام بالمدارس يرهق الطلاب ويقلل من نسبة استيعابهم للمعلومات، مؤكدين أن أبناءهم يعودون مُنهكين يومياً من المدرسة، ويتعرّضون للعديد من المتاعب الصحية بسبب الإرهاق داخل الفصول الدراسية وخلال رحلة العودة بالباصات، والتي تستغرق في كثير من الأحيان أكثر من ساعة بسبب الزحام المروري، حيث لا يستطيعون المذاكرة بشكل جيد، كما أدى ذلك إلى انتشار ظاهرة الغياب بين أوساطهم.
وفي المقابل أكد تربويون ومديرو مدارس في أبوظبي أن اليوم الدراسي يخضع للمعايير والمقاييس الدولية والعبرة في إدارة الوقت، لافتين إلى أن تحقيق المعادلة الصعبة بين الالتزام بتلك المعايير والاستجابة لمطالب الطلاب وأولياء الأمور يتطلب تقليص المناهج وتخفيض ساعات الدوام الدراسي، مشيرين إلى أن الدولة تتبنى منظومة تعليمية حديثة منذ سنوات مضت، وهذه المنظومة لها معايير ومقاييس عالمية، وتتم مقارنة كل عنصر من عناصر العملية التعليمية بغيره في بلدان أوروبا وأمريكا وحتى دول الجوار التي تشترك معنا في البيئة التعليمية، وذلك من أجل الوصول إلى مستوى عال جداً من الجودة التعليمية، وبالتالي فإن ساعات التمدرس خلال اليوم الدراسي وحتى عدد أيام الدراسة خلال العام الدراسي، لا يتم تقديرها جزافاً أو تركها للمصادفة والمقادير، وإنما هي خاضعة للتقييم من كافة الجوانب.
الأسباب والحلول
بينت درجات نتيجة نهاية الفصل الدراسي الأول في عدد من المدارس تدنياً ملموساً في بعض المواد وخاصة العلمية، اعترف بها القائمون على العملية التعليمية في مجلس أبوظبي للتعليم، حيث لايزال المجلس يواصل سلسلة اللقاءات مع القيادات المدرسية ومعلمي المواد العلمية للوقوف على الأسباب والنتائج والحلول، وفيما يتعلق بنتائج امتحانات الصف الثاني عشر للفصل الدراسي الأول، والتي أثارت زوبعة غير معهودة في الميدان التربوي «طلبة وآباء ومعلمون»، فقد نظم المجلس يوم الخميس الماضي لقاء موسعاً ضم الدكتور علي راشد النعيمي مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم والقيادات التربوية والتعليمية في المدارس الثانوية على مستوى المكاتب الثلاثة «أبوظبي والعين والمنطقة الغربية»، وناقش اللقاء عدداً من القضايا التي تهم الميدان وكل ما يتعلق بآخر تطورات المناهج لطلبة الصف الثاني عشر.
وأكد مجلس أبوظبي للتعليم أنه تم إعداد خطط قصيرة المدى وطويلة المدى، بالتعاون مع القيادات المدرسية لإيجاد الحلول وتقديم الدعم اللازم، والتي بدأت في عقد لقاءات مع القيادات المدرسية ومديري مجموعات المدارس، تلتها خلال الأسبوع الماضي لقاءات مع المعلمين والطلبة، مشيراً إلى أن هناك العديد من المبادرات والخطط الاستراتيجية لتقديم الدعم المستمر للطلبة.
المصدر: الخليج