كاتب إماراتي
من قال إننا لا نتعلم من الصغار؟! إننا كثيراً ما نتعلم ما دمنا صغاراً، وحدهم الذين تقسو قلوبهم وعقولهم يكفّون عن العلم والتعلم ونشدان المعرفة ولو جاءت بطريقة مجانية من حكماء وبصيرين، وعفوية من قبل أطفال. إجازة هذا الأسبوع ألزمني بها الولد الذي يدرج نحو التاسعة، حين قرر أن يصبح صديقاً صغيراً لي، فرحت لأنني قررت أن أكون منصتاً أكثر من متحدث، وألا أعقد تلك المقارنة الظالمة بين طفولتنا ووعينا المبكر، لأسباب موضوعية، ومسببات فيها الخصوصية، وبين طفولة جيله.
ترافقنا مع منصور إلى مقهى هو من اقترحه، لأنه جديد، وله خصوصية كونه فيه ركن يعد مأوى للقطط المنزلية بأنواعها المختلفة، هكذا قال لي بعد أن أبحر في الشبكة العنكبوتية، وتحاور مع زملاء صفه، وتواعدوا فيه لقضاء ساعات، طبعاً دخلوا على لائحة الأكل والشرب والحلويات التي يقدمها ذلك المقهى، وعرفوا أسعاره، وأسعار مجالسة القطط والتعرف عليها.. قادني كالأعمى، وفي الطريق شرح لي كل ذلك، في البداية قلت له: لا أعرف المكان، محاولاً جرّه واختبار فطنته، فقال: المكان يبعد عن بيتنا 25 كلم، ويستغرق الوقت للوصول له تقريباً 20 دقيقة، وبإمكانك التأكد من «غوغل ماب»، فطلبت منه أن يضبط التوقيت وخط السير من خلال هاتفي، ففعل بسهولة أفرحتني، في الطريق كان يتابع معي، ووجدت عليه بعضاً من التحفز، فعرفت أنه الشوق للزملاء والزميلات في الصف، وذلك الإحساس الجميل بمحبة ومشاركة الآخرين لحظات الفرح الطفولي، هنا قررت أن أسرّب له نصيحة مغلفة بورق من السلوفان كقطعة حلوى يحبها، وأفهمته ألا يشعر بخيبة الأمل، طبعاً استعملنا الكلمة الإنجليزية لأنها أسهل وأخف وطأة على النفس، ودارجة في مفردات يومهم المدرسي، لأن هذه الإجازة الأسبوعية هي ملك للإنسان وحده، ويجب ألا يتركها للآخرين لكي يضيعوها عليه بأي طريقة كانت مقصودة أو غير مقصودة أو بسبب يخصهم أو نتيجة ظروفهم، وعليه أن يخلق أعذاراً شتى للآخرين الغائبين، فتفهم ما كنت أقصد، ولو تغيب زميله أو زميلته المقرّبة لنفسه. ولما تأخرنا قليلاً في الطريق، قال: سأضطر إلى أن أقول شيئاً غير الحقيقة؛ إننا تأخرنا بسبب الطريق، فتركته، لأن الحياة ليست مسكونة بالملائكة وحدهم.
بعد جلسة ذلك المقهى، قلت له: هل دفعت الفاتورة؟ قال: لا طبعاً كل واحد دفع حسابه، فقلت له: على الطريقة الأميركية، فقال: لتكن، فقلت: لكن من عاداتنا العربية أن يقدم الكريم على دفع الفاتورة، وخاصة أن فيها بنات، فقال: لكنها طريقة غير عادلة، فقلت في نفسي: «لو تدري بفعايل أبوك، ودنياه»! غيّر الموضوع متنقلاً، وعادّاً عليّ أنواع القطط التي صادفها، وأوصافها، ومنشأها، طبعاً أنا اكتفيت بهز الرأس والموافقة الدائمة، فغير تلك القطط التي تظل تموء عند «تانكي الماي أو التي تظل تغزر في غداك» لا أعرف السيامي من الشيرازي! مررنا على «ياس»، واستعرض بعضاً من ماركات السيارات، وسيارات السباقات المشهورة، واقترح عليّ أن أبدل سيارتي الرياضية بسيارة دفع رباعي، لأنها تناسب عمري، فبهتُّ، وكاد أن يضيق بي الحال، مثلما تتلقى ذلك السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس في وجوه بعض الناس: «شو فيك مصْفَرّ، وضعفان، لا تكون مريض»؟ لكني ضحكت، وتساءلت عن مصادر معرفته، فقال: من جهازه الرقمي أو من الكتب التي يحب أن يقرأها، بعدها طلب أن أعزمه على عشاء ياباني «سوشي»، طبعاً أنا والـ «سوشي مثل الينّي والعطبة»، لكنه احترام إرادة الآخرين، ولما تعلمته من ذلك الصديق الصغير الذي يكبر.. ويكبر ويفرحني.
المصدر: الاتحاد