نتنياهو و«إسرائيل الكبرى»: قراءة في دلالات التحول الصهيوني!

آراء

أثار الخطاب الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسميه «إسرائيل الكبرى» الكثير من الجدل، ليس فقط بسبب طابعه الاستفزازي، بل لأنه يعكس توجهاً أعمق في الفكر السياسي الإسرائيلي نحو ترسيخ رؤية توراتية تضع اليهود في موقع «شعب الله المختار» في محيط ينظر نتنياهو وفريقه المتطرف إلى شعوبه على أنهم أدنى منزلة. هذا الخطاب لا يبدو مجرد وسيلة للضغط السياسي أو رفع سقف المطالب التفاوضية، بل هو محاولة لإعادة صياغة الرواية الصهيونية، بما يخدم مشروعاً طويل المدى لتنشئة أجيال جديدة على أساس هذه الفكرة.

من زاوية أخرى، يمكن قراءة هذا التوجه بوصفه انعكاساً لمخاوف داخلية، حيث يظهر نتنياهو وكأنه يسعى إلى تعزيز ثقة اليهود بمستقبلهم في المنطقة في ظل مؤشرات على تراجعها. ففي لقائه مع مجموعة من الطلاب اليهود القادمين من الولايات المتحدة لدراسة العلوم الدينية، شدد على أن «هذه الأرض (فلسطين) هي أرض أجدادهم»، وأن بإمكانهم العودة إليها والاستقرار فيها في أي وقت. هذه الرسالة المكثفة تشير إلى أن القيادة الإسرائيلية تدرك حجم التحديات الديموغرافية والسياسية التي تهدد مشروعها على المدى البعيد.

الخطاب الذي ألقاه نتنياهو، بمضمونه الديني والسياسي، يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، إلا أن ردود الفعل الدولية – خصوصاً الغربية – بدت محدودة أو غائبة، وهو ما يسلط الضوء على إشكالية ازدواجية المعايير في التعاطي مع إسرائيل. تاريخياً، ارتبط المشروع الصهيوني بالدعم الغربي، وهو ما يجعل المواقف الرسمية من هذه التصريحات جزءاً من معادلة سياسية أوسع تتجاوز حدود المنطقة. وتبقى مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات حاضرة حين أكد أن حرب أكتوبر 1973 كانت مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة بقدر ما كانت مع إسرائيل.

إصرار نتنياهو على الخطاب القومي الديني يحمل مخاطر على المدى البعيد، ليس فقط في تأجيج الصراع مع الفلسطينيين والعرب، بل أيضاً في عزل إسرائيل دولياً إذا ما تغيرت موازين القوى العالمية. في الداخل، قد يعزز هذا الخطاب الانقسام بين التيارات الإسرائيلية ذات الرؤى المختلفة لمستقبل الدولة، وفي الخارج، قد يُنظر إليه باعتباره عائقاً أمام أي عملية سلام حقيقية.

ما يطرحه نتنياهو يفرض على الدول العربية إعادة التأكيد على وحدة الموقف، بل والاستثمار الجاد في بناء منظومة تنموية شاملة تعطي الأولوية للتعليم والتكنولوجيا والاقتصاد وصناعة الوعي. فالتعامل مع المشروع الصهيوني يحتاج إلى أدوات متعددة، تجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، بما يضمن الحفاظ على الحقوق العربية، وتعزيز الحضور العربي في معادلات المستقبل.

المصدر: صحيفة الاتحاد