رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
صديق عزيز اعتاد أن يشتري أعلافاً لماشيته من محل معين، فوجئ، أول من أمس، بارتفاع طفيف في سعر العلف، فسأل صاحب المحل عن هذا الارتفاع، فأجابه: إنها الضريبة! بالتأكيد ذهل الرجل من هذه الإجابة، فالضريبة التي بدأت الحكومة فرضها هي الضريبة الانتقائية، وهي على سلع محددة بعينها، التبغ ومشتقاته، والمشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، ولا علاقة للأعلاف بأيٍّ منها أبداً، كما لا توجد علاقة بين الماشية والتبغ أو مشروبات الطاقة!
هذه واقعة بسيطة حدثت، لكنها تعطي مؤشراً سلبياً لظاهرة سنلاحظ استفحالها في الأيام المقبلة، فهناك من يبحث عن سبب لزيادة أسعار كل شيء، ليس شرطاً أن يكون السبب مقنعاً أو واقعياً، المهم زيادة الربح، لِمَ لا، خصوصاً أن هناك قناعة داخلية لدى معظم التجار والموردين، إن لم يكن جميعهم، يشعرون معها بضعف الرقابة، وهذه القناعة تسمح لهم بفعل ما يشاؤون، لأنهم تعودوا ذلك دون وجود رادع حقيقي!
لسنا ضد فرض ضرائب جديدة، فهذه سياسات دولة، وللدولة الحق في فعل ما تراه مناسباً لضمان جودة الحياة، وضمان سد أي عجز متوقع في الميزانية العامة، كما أن الضريبة ليست بدعة، بل هي أداة من أدوات التنمية الاقتصادية تفرضها معظم دول العالم، ولكننا مع تشديد الرقابة على الأسواق، وحماية المستهلكين من أي جشع أو خداع، ومع توضيح الأمور بشكل لا يترك مجالاً للتلاعب، أو التزوير، أو استغلال الوضع العام المرتبك مع بداية تطبيق الضريبة.
أسواق تجارة التجزئة في الدولة شهدت في اليوم الأول لتطبيق الضريبة الانتقائية حالة من الارتباك والغموض في منافذ بيع وجمعيات وبقالات، وحدثت بعض التفاوتات في أسعار بيع المشروبات الغازية والطاقة، صحيح أن هناك التزاماً واضحاً من معظم المنافذ بسعر البيع بعد الضريبة، إلا أن منافذ أخرى زادت سعر بيع مشروبات الطاقة بنسب متفاوتة، وباعت بعض المنافذ والبقالات أنواعاً من السجائر بزيادات 10 و20% على قيمة الضريبة البالغة 100%، كما باعت بعض المنافذ أنواعاً من المشروبات السكرية التي لا علاقة لها بالطاقة أو المشروبات الغازية بأسعار المشروبات المشمولة بالضريبة، ما يؤكد عدم وضوح القائمة التي تشملها الضريبة، أو السعر الرسمي لبيع السلع بعد فرض الضريبة!
قد يكون مثل هذا الأمر طبيعياً مع بدء التطبيق، لكن أعتقد أن الاستعداد للتطبيق لم يكن بالمستوى المطلوب، وإلا لما ظهرت هذه الممارسات، لكن الأهم من ذلك الآن هو سرعة إعادة السيطرة على الأسواق من قبل الجهات الرسمية، وضبط الأمور مرة أخرى، لوقف كل من لديه نية لرفع الأسعار دون مبرر، خصوصاً أن العام المقبل هو موعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهي ستكون أشمل وأعمّ، وبالتأكيد ستكون أعقد وأصعب من الضريبة الانتقائية، ولم يتبق على بدء تطبيقها سوى أشهر قليلة، ومع ذلك مازالت هناك الكثير من الاستفسارات، ومازال هناك الكثير من الغموض يلف حولها، ما يزيد القلق من نتائج تطبيقها، لذا فالجهد على الجهات المعنية مضاعف لضبط الأسواق من جهة، وحماية المستهلكين من جهة ثانية!
ضريبة القيمة الإضافية قرار خليجي، لا نختلف على أهميته، فهي ستشكل دخلاً جيداً للحكومة، ستعيد ضخه لتطوير الخدمات العامة المختلفة، والمستهلك في نهاية الأمر سيستفيد من هذه الضريبة، رغم الزيادة التي سيدفعها، وتبلغ 5%، لكن وبما أنه قرار خليجي، ومعظم الدول الخليجية أجّلت تطبيقه إلى العام 2019، لذا أعتقد أن الاستعجال في تطبيقه في الإمارات قبل بقية الدول الأخرى سيضر حتماً قطاعات مختلفة، خصوصاً أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت كي نكون أكثر جاهزية لتطبيق هذه الضريبة!
المصدر: الإمارات اليوم