كاتبة سعودية
الأزمات في أي دولة تؤثر ليس فيها فحسب بل في جيرانها ومحيطها والمنطقة والعالم. وإذا كانت دولة واحدة تؤثر في الشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي أيضا في الدول المحيطة، فكيف بمنطقة كاملة مرت وتمر بحروب وانهيار أنظمة وقيام أخرى وتقسيمات وإرهاب. بالطبع لا يمكن أن نقول عن ذلك سوى أنه كثير جدا لإحداث تغييرات بعضها بل كثير منها يحفر في الجذور لا السطح. حربا الخليج الأولى والثانية أثرتا في المجتمعات عوضا عن السياسات. قبل سنوات فقط وقبل الثورات العربية، كان تعاطينا للأمور والمسائل مختلفا عما هو عليه الآن. حتى تواصل الناس، ولا سيما النخب على وسائل التواصل مختلف جدا، حتى بدأت الثورات. وحين بدأت أيضا كان الأكثرية متفاعلين بعاطفة مع الأحداث. لم تكن هناك انقسامات في الرأي بعد. كان هناك نوع من التماهي مع الأحداث والتعاطف مع الشعوب عامة.
أيام الثورة المصرية على سبيل المثال، حدثت بعض المفارقات في ميدان الحرية، مفارقات تشير بشكل جلي إلى مرحلة جديدة قادمة، بالأحرى مرحلة انقسامية. وهي بطبيعة الحال مرحلة تتجاوز مصر جغرافيا. واحدة من هذه المفارقات أو المشاهد كانت في التعامل ما بين الثوار في الميدان أنفسهم. أحد الباعة المتجولين الذي سمعت عنه غير مرة كان يبيع الكتب الدينية للإخوان في الصباح، وبعد الظهر يبيع الكتب الثقافية للثوار المثقفين، وفي المساء يتجول بألبومات أغان للشباب المندفع. عملية التمثيل اختصرت المظهر الثلاثي العام الذي نمر به الآن في المنطقة. كان الرجل في كل مرة يتقمص شخصية جديدة تلائم البزنس وما يطلبه الجمهور. وهذا النوع في مجتمعاتنا كثير، وهم من نعتبر آراءهم مجرد تجميع قطع لممارسة العيش لا أكثر. التدين ربما أهم مسألة تحرض على التمثيل للتماهي مع متطلبات الواقع والمجتمع والسياسة أيضا، فمنهم من يطلق ذقنه لظروف ويحلقها لظروف أخرى، وكذلك الوضع بالنسبة للنساء والحجاب أيضا. أحدثت التغيرات أثرا اجتماعيا وفكريا وبطبيعة الحال سياسيا على المنطقة ككل، منها ما هو مدعاة لتغييرات وانقسامات امتدت للخليج وشعوبه أيضا كحكم الإخوان القصير كمثال مهم.
منطقتنا تمر بالكثير من التحولات والتغييرات، إلا أنها تحدث هكذا مثل الكوارث الطبيعية، تجبرنا على الانجراف والتماهي مع سنة الكون. يقول الفيلسوف اليوناني “هرقل يطس” المرء لا يستحم في النهر مرتين”. النهر متغير بجريانه كما نحن ننزل إليه مختلفين كل مرة. إلا أننا نحتاج إلى تغييرات حضارية وتنموية حقيقية لا تشبه ما يحدث الآن، والذي هو جزء من الفاتورة التي ندفعها مجبرين. التغير ضرورة للمجتمعات، فهو سر بقائها وتطورها. فبالتغير نتمكن من التكيف مع الواقع العالمي، ونحقق التوازن في البنية الاجتماعية. الثبات دون تغير هو تعبير آخر للفناء. ولأن المجتمعات تتفاوت في أشكال تغيرها، كما يرى علماء الأنثروبولوجيا، فهناك التغير البطيء جدا، وهذا يحدث في المجتمعات الجامدة والمتأخرة حضاريا، كالتي تعيش في الألفية الثالثة لكنها قروسطيّة في تقاليدها. أما التغير المتدرج فهو التغير المرحلي نتيجة تراكمات “كمية” مستمرة ومنتظمة، وهي في الغالب تغيرات تؤثر على المدى البعيد في كيفية الحياة. أما التغير السريع فهو من اسمه يجري بسرعة كبيرة، ومثال ذلك ما يحدث في المجتمعات الأمريكية والأوروبية. فأين نحن من ذلك؟
المصدر: الاقتصادية