آلاف الطالبات والطلاب في الجنوب والقصيم ممن اعتصموا أو تظاهروا في جامعاتهم كانوا يعبّرون عن غضبهم إزاء تجاهل مطالبهم. لقد أصابهم اليأس بعد الإمعان في تجاهل شكواهم.
هؤلاء لم يتظاهروا من أجل جدالات «إسلامي» مقابل «ليبرالي»، ولا من أجل مصطلح «الخصوصية» أو مخاطر «الأصولية».
همومهم أكبر من جدالات النخب الثقافية، لأنها مرتبطة بواقعهم اليومي وبمستقبلهم في الوظيفة والبيت وتأسيس العائلة.
قبل البارحة كنت أقول لمسؤول خليجي إن حفرة في الشارع قد تستفز الناس أكثر مما تفعله جدالات ونقاشات النخب، المحترم منها والفاسد. خطأ استراتيجي كبير أن تنشغل الدولة -أي دولة- بالحديث الطويل والممل في تأصيل «شرعية النظام» تاريخياً أو أيديولوجياً.
شرعية النظام اليوم، في أي مكان في العالم، هي في قدرته على الاستجابة لمطالب الناس، وطريقة تعاطيه مع التحديات اليومية في الاقتصاد والإدارة المحلية والخدمات اللائقة. فأن يضمن المواطن نظافة شارعه وأمن بيته قد يكون عنده أهم مليون مرة من الحديث الطويل عن «الشرعية» وما يرافقه من جدالات وتجاذبات.
ولهذا فإن النظام القوي -بمعايير يومنا- هو النظام القادر على فهم ظروف الناس واحترام همومهم بالمعالجة الآنية لا بالوعود التي لا تنفذ، ولا باختلاق قصص لإلهاء الناس – ولو مؤقتاً- عن همومهم المباشرة.
وحينما تتحقق البنى التحتية المتكاملة فعندئذ نستطيع أن نُنظّر أو نتجادل في التاريخ والآراء والتيارات الفكرية.
حينما أكون مزحوماً بهموم العيش، مشغول البال على وظيفة ابني، قلقاً على أمن بيتي، فماذا يعنيني إن كان «الليبرالي» زعلان على «الإسلامي»، وماذا يهمني في جدالات قينان والنجيمي؟
غضب الناس يمكن أن ينطلق من حفرة في الشارع أهمل شأنها موظف كسول في البلدية لسنوات، أو من زحام لم يعد يطاق في المحاكم، أو من انتظار قاتل للحصول على الوظيفة أو بناء البيت.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٠٨) صفحة (٣٦) بتاريخ (٢١-٠٣-٢٠١٢)