نعم: نتغير!

آراء

يظنها البعض نقيصة إن تغيّرالمرء. و يظنها البعض ميّزة إن لم يتغيّرالمرء. و من منا لا يتغيّر؟ والأهم، من قال إن التغيير في الفكر و التوجّه والموقف نقطة ضعف تحسب على المرء؟

في مجالسنا، تسمع من يصف شخصاً بأنه “رجل لم يتغيّر منذ عقود”! و كم مرة تأتيني رسالة يتساءل صاحبها: لماذا تغيّرت؟ و حينما يسافر بعضنا و يعيش تجارب مختلفة في الاغتراب لا بد أن يتغيّر. و من لا يتغيّر، في معارفه و تفكيره و علاقاته و نظرته لنفسه و للحياة، فإنما جسد يتحرك عبر السنوات بلا نمو و لا تطور. والحجر، وهو الحجر، لو نقلته من بيئة لبيئة مختلفة لتأثر بمناخات المكان الجديد ثم تغيّر. و الذين يظنون أن الناس لا تتغير، مع الوقت، أنصحهم بالبحث عن صورهم القديمة ثم يتأملون في المرآة!

الثابت في القناعات يكون – غالباً – في المسائل المقدسة. لكن المفاهيم والآراء و العلاقات و المصالح هي متحولة وفقاً للتجارب والظروف. فما كنت تراه خطأً بالأمس ربما وجدته صحاً اليوم. وما رفضته في الماضي ربما صار عندك ضرورة في الراهن. والفكرة التي ظننت أنها غير قابلة للنقاش فيما مضى ربما بدأت اليوم تناقش أبعادها و أسبابها و لعلك تحمل تجاهها موقفاً يناقض مواقف الأمس.

أفكارنا – مهما كان الجدال بين “الثابت” و “المتحول” – هي انعكاس لتجاربنا. و التجربة نصف المعرفة. و لهذا فإن “التغيير”، في الأفكار والمواقف، ليس فقط ضرورة بقاء في عالم سريع التغيّر و التحوّل، و لكنه أصلاً “طبيعة” إنسانية لا يعاندها إلا من قرر أن يعزل نفسه عن نفسه و عمن حوله.

و حتى و إن تألمنا من بعض تجارب “التغيير” في محيطنا، فمفيد جداً أن نتذكر أن التغيير سنة من سنن الحياة!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٦٨) صفحة (٢٨) بتاريخ (٢٨-٠٨-٢٠١٢)