أكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها أننا نستطيع التغيير، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا.
ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا كثيرة تشكل أجزاء ضرورية لبرنامج التحول في معناه الشامل، أهمها في ظني أربع:
أ) ترسيخ سيادة القانون، وجعله سقفا فوق الجميع، وحاكما على الجميع من دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية لبعض الإداريين، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما إلى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 5.7 في المائة واستثمارات القطاع الخاص إلى 65 في المائة من الناتج القومي الإجمالي. ونعلم أن هذا صعب التحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة، التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون، أو عدم حاكميته على الميول الشخصية لدى بعض الإداريين.
الشفافية التي تمّ تأكيدها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل إذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكنان الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة، وهي بالتأكيد تساعدهم في كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع هو الذي يحمي حقوق جميع الأطراف، أيًا كانت مراكزهم.
ب) مبدأ سيادة القانون يبدو أكثر ضرورة في المجتمعات التي تهيمن التقاليد على ثقافتها العامة ونظامها الاجتماعي، وقد رأينا هذا بوضوح فيما يخص النساء. إنني أتفهم ميل السياسيين إلى تأجيل الاستحقاقات المكلفة سياسيا، لكنني أخشى أن نتغافل عن مواجهة حقيقة أن أي مستقبل مختلف رهن بالتحرر من بعض التقاليد. إنني واثق بأننا نتطلع إلى يوم ننتهي فيه من هذا كله، كجزء من رؤية موسعة للتحرر من التقاليد المعيقة، وجعل القانون الواحد والعادل مرجعا وسقفا للجميع، رجالا ونساء.
ج) المفهوم الحديث للدولة ينظر إليها بوصفه جهة تخطيط وإدارة، هدفها مساعدة المجتمع في تحسين حياته. المجتمع هو العنصر الرئيس والمستهدف في كل السياسات والقوانين، لكن فكرة «التحكم» هي المهيمنة على ذهنية الأكثرية الساحقة من الإداريين، وفحواها أن كل شيء ممنوع ما لم يوافق عليه جهاز حكومي ما. هذا المفهوم العتيق أشد عوامل التعطيل أثرًا وأكثرها إساءة لعلاقة المواطنين مع الأجهزة الرسمية.
إنني أخشى جديًا من تعطيل المبادرات الخلاقة التي أعلنتها رؤية المملكة 2030، إذا لم نعالج تلك الذهنية العتيقة، إذا لم نرسخ مفهوم أن الأصل في كل شيء أنه مباح ومسموح ما لم يكن ثمة قانون ينظمه أو يمنعه. لهذا أدعو إلى التأكيد المكرر على هذا المبدأ، كي لا تتعطل مشروعات التطوير؛ لأن مديرا قصير النظر هنا أو ضيق الأفق هناك، لم يجد في أوراقه لائحة تقول: إن تلك المبادرة مسموحة أو مباحة.
د) أكدت وثيقة الرؤية تدعيم قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية والمواطنين، ومشاركة المجتمع في المسؤولية عن نفسه ومستقبله. دعونا نتقدم خطوة أخرى إلى المشاركة الشعبية المنظمة في الشأن العام ككل، في القرار السياسي والاقتصادي وكل شأن آخر يتعلق بمجموع الناس، حاضرهم ومستقبلهم. المشاركة الشعبية المنظمة من خلال المجالس المنتخبة، والمشاركة الشعبية من خلال منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير المصونة بالقانون هي القناة الأوسع لتحمل الشعب المسؤولية الكاملة عن وطنه، وهي الأداة الفعالة لتعزيز قوة الدولة وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
بلادنا قادرة بعون الله على مواجهة تحديات حاضرها وصناعة مستقبلها عبر التعاون الفعال بين المجتمع والدولة. وكل ما نحتاج إليه هو فتح قنوات المشاركة والتواصل. رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الاثنين المنصرم خطوة أولى كبيرة، نأمل أن تليها خطوات تعزز الأمل وتفتح أبواب المستقبل.
المصدر: الشرق الأوسط