كاتب وإعلامي سعودي
نشرت صحيفة «الحياة» قبل أسابيع خبراً مفاده بأن أمانة مدينة الرياض تدرس البدء في إنشاء نفق للخدمات الموحد في شوارع العاصمة، وقد ذكرت الصحيفة أن «الأمانة» أصدرت في الأعوام الخمسة الماضية حوالى 119 ألف رخصة لإقامة مشاريع الخدمات، وبلغت أطوال تلك الحفريات 27 ألف كيلومتر (أي بمعدل 79 رخصة يومياً لحفر 18 كيلومتراً). أتمنى ألا تطول دراسة هذا المشروع، لما له من انعكاسات خدمية واقتصادية، وله علاقة بمكافحة الفساد، فمثل هذا المشروع – إن تم البدء فيه – فسيريحنا أولاً من عمليات الحفر والحفر المستمر في شوارعنا، التي لا تزال مستمرة منذ أعوام، وتخلف الحفر وتدمر المركبات وتشوه الشوارع، فمثلاً شركة الكهرباء تحفر وتأتي بعدها شركة المياه الوطنية بمشاريعها المتعددة من إيصال المياه وتصريف السيول وشبكات الصرف الصحي، ومع كثرة شركات الاتصالات، التي تعمل بهمة ونشاط لإيصال خدمات الإنترنت إلى منازلنا، كل واحدة تقوم بالحفر والدفن لإيصال هذه الخدمة، فأين دور هيئة الاتصالات في تنسيق عمليات التوصيل هذه؟ لماذا لا تُلزم هذه الشركات بأن تشترك بنفق موحد لهذه الخدمات وتريحنا من الإزعاج وتسهِّل علينا الوصول إلى منازلنا وتحمي مركباتنا من التلف، مما تخلف تلك الحفريات من خراب ودمار للشوارع، التي لا نعرف كيف هي متهرئة إلا أوقات الإمطار، حيث لا نستطيع معرفة وتلافي الحفر التي أمامنا.
كثير من دول العالم يوجد بها نظام النفق الموحد للخدمات، بل إن هناك مدناً مثل لندن، يوجد بها النظام منذ أكثر مئة عام، وفي المملكة بدأ تطبيق هذا النظام في بعض المشاريع الجديدة كما في جامعة الأميرة نورة وفي مركز الملك عبدالله المالي وفي مدن الجبيل وينبع، التي من زارها يشاهد الشوارع المتساوية وينعم ساكنها بالهدوء ولا يزعجهم صوت معدات الحفر في شوارعهم، كما هي حالنا في الأحياء التقليدية.
وجزئية مهمة في حال تم البدء في تنفيذ مثل هذا المشروع أنه سيوفر بلايين الريالات، فبدلاً من تعدد المناقصات الحكومية لمشاريع الخدمات، والتي تختلف شروطها وطريقة طرحها من جهة إلى أخرى، وقد تكون عرضة للفساد والرشاوى، فإنه إن تمت ترسية مشاريع النفق الموحد في مدننا، وكان لهيئة مكافحة الفساد دور فعلي في هذا المشروع فإنها ستقضي على جذور الفساد من بدايته، إضافة إلى الجودة في التنفيذ، وكذلك لن تكون عرضة للتعثر، الذي أصبح ميزة في مشاريع الخدمات لدينا.
ويمكن الاستثمار في مثل هذه المشاريع من القطاع الخاص، حيث تنفذ شركات متخصصة هذه المشاريع وتديريها، وتؤجرها على شركات الخدمات فترات طويلة. هل من حقنا أن نحلم بأن تكون شوارعنا جميلة وبها ميزات إنسانية عكس وضعنا الحالي، ففي مدننا ما أن ينتهي مشروع حفر ودفن حتى يبدأ مشروع آخر، وكأنه لا يوجد شيء اسمه تخطيط، لتنفيذ هذه المشاريع، فحال الشارع بعد عملية أي حفر تعتمد على ذمة المقاول، فبعضهم يترك الشارع وكأنه قطعة قماش ممزقة تتملكك الحيرة في كيفية عبوره، أما الإزعاج المستمر فحدِّث ولا حرج، فقد يستمر أشهراً وربما أعواماً، ولا يعرف المواطنين إلى من يلجأون، وكلهم أمل في أن ينتهي هذا المشروع أو ذاك، ولكن المأساة تستمر بمشروع آخر، وهكذا هي الحال، فنأمل أن يكون هناك أمل في آخر النفق.
المصدر: الحياة