كاتبة سعودية مقيمة في دبي
لا تستطيع أن تلوم شخصاً يطلق نكتة سخيفة لا تضحك لها، لكنك بالتأكيد تفهم لماذا يغضب سعودي يجيء ذكره في نكتة تصوره بأنه سخيف أو غبي. لكن نطاق الجنسيات توسع اليوم، فأدخل السوداني الذي اشتُهر بالكسل، والحوطي السعودي الذي تشنع عليه النكات بأنه قليل الفهم، وهو نفسه الصعيدي في النكات المصرية، والحمصي في النكات السورية، واليهودي في النكات الأوروبية.
النكتة تختار الضحية من الضعفاء وقليلي الحيلة أو من الفئات التي تمثل العدد الأقل في المجتمع الذي يصنع النكتة، ويستسلم هؤلاء عادة لحملات التنكيت عليهم مع الوقت فلا يثورون في وجهك ولا ينتقمون، لكن المرأة تظل هي الضحية الأشهر في النكات والحكايات والأمثلة وحتى في الأحاديث الدينية الموضوعة والمنتحلة، فهي تفوق الشيطان في مكره والحية في تملُّصها والعقرب في قرصتها، وأما سبب تعاظم القوة عليها فلأن أغلب مَن يصنع النكات هم من الرجال، والمرأة بالنسبة إليهم من المستضعفين في الأرض حتى وقت قريب، لكن الواقع على ما يبدو قد تغير، إذ بدأت النساء في شنِّ حملات نكات مضادة، فحين راجت لدينا في السعودية نكات عن المرأة السعودية تصورها بـ”أم الركبة السوداء” شنت النساء حملة على الرجل عنوانها “أبو سروال وفانيلة” كناية عن قلة تأنقه وبهيميته ورعونته.
لكن هذا لم يكن كافياً؛ فالتراث مشحون بحكايات وأمثلة، يصل بعضها إلى مأثور الكلام، تشنع على النساء، وقد ظننت أنها اندثرت، لكن برامج الـ”واتس آب” وبرامج التواصل الأخرى عادت إلى إحيائها بنسختها القديمة، رغم أن المرأة تعلمت وتخرجت من الجامعات، والغريب العجيب أن النساء يتداولن هذه الحكايات من باب الدهشة في مقاربة أفعال النساء، ويوافقن أيضاً عليها وفي دخيلتهن لوم على ماضٍ شابهها، أو “لاشعور” تكدس بفضل التكرار الذي يعلم الشطار.
الحكاية التي وصلتني عبر الـ”وتس آب” تقول إن امرأة طلبت من الشيطان أن يفرق بين زوج وزوجته فما استطاع، فمرت على الزوج تاجر القماش، وقالت له: “هل تسلفني قماشاً كي يعطيه ابني لعشيقته المتزوجة؟”، ثم ذهبت إلى منزل الزوجة واستأذنتها أن تصلي عندها ثم وضعت القماش خلف الباب، فجاء الزوج وشاهد القماش فطلق زوجته، ثم قالت المرأة للشيطان: “هل تستطيع أن تعيدهما إلى بعضهما؟” فقال لا، فذهبت إلى تاجر القماش وطلبت منه أن يبيعها نفس القماش لأنها ذهبت أمس إلى بيت سيدة مسكينة وطلبت منها أن تصلي عندها ونسيته، فعرف الزوج أن زوجته بريئة فأعادها إليه، الحمد لله أن الزوج لم يقتل زوجته، وإلا لخسرت المرأة لقب “الشيطان” في المعركة الثانية!
لا مانع عندي أن تنال المرأة لقب “شيطان” إذا استطاع أحد أن يثبت لنا أن الحيل اللاأخلاقية حكر على النساء دون الرجال، وإذا وجد تصنيفاً لتلك النسبة العالية من الذكور الذين يقبعون في التاريخ أو في السجون من القتلة وتجار المخدرات والمرتشين، إن كان السقوط الأخلاقي حكراً على النساء.
إن تبادل الشتائم بين نوعين من البشر أو بين الطوائف أو الجنسيات لا يفيد تقدم البشرية في شيء، فالرجل الذي يرضى بشتم زوجته لن يرضي أن تُشتَم ابنته حين تصبح زوجة لرجل آخر، وكذلك المرأة التي تشتم رجلاً لن ترضى أن يُشتَم ولدها حين يصبح زوجاً لفتاة، لهذا علينا أن نلوِّح بالعلم الأبيض وندعو إلى السلام، كما آمل ألا يُفهَم أنني من الطرف الأضعف لذا قبلت الصلح.
المصدر: الجريدة