خاص لـ هات بوست:
ليس مقدّرًا لهذا المقال أن يكون ذا نبرة حيادية، لا يعلو فيه صوتي ويهبط ويتكسّر مثل موجة على شاطئ..
ذاك لأنني أتحدث عن تجربة ذاتية مع النهايات.. نهاية العام تحديدًا؛ الأسابيع الأخيرة منه، تلك التي قُدّر أن تجتمع فيها مناسبات حزينة موجعة ينفطر لها الفؤاد، وأخرى سعيدة مشوبة بالفخر والاعتزاز.. دعوات رسمية، وفعاليات، وأنشطة، ومهرجانات… وامتحانات أيضًا؛ حرفيًّا لا مجازًا، امتحانات فصل دراسي حاسم، وإجازات لها عناوين رئيسية وفرعية، ومخططات وحقائب وحجوزات وتذاكر وبرامج حافلة.
وكأن كل هذا لا يكفي، لتطالعنا أيضًا تخفيضات هائلة تحمل أسماء أيام بعينها من الأسبوع مقرونة بألوان بيضاء وسوداء وبنفسجية! وحُمّى شراء وخوف من الفوات، إن لم يُصبك أصاب باقي أفراد العائلة.
ثم تمامًا كما لو أن كل العزّاب تنبّهوا إلى أن ثمة قطارًا خاطفًا سيفوتهم، فتسابقوا إلى ركوبه في اللحظات الأخيرة، وليتهم فعلوا ذلك من دون إقحامك في حفلات خطبة وعقد قران وتوديع عزوبية وزفاف لا يكتمل بدونك؛ أنت الفقير إلى الله وإلى راحة بالك، وإلى حقّك في أن تشعر ببعض الفراغ والملل.
الطقس أيضًا يقرّر الاحتفال بنسمات باردة، وجوّ بديع يفتح شهية حفلات الشواء والنُّزَه العائلية على مصراعيها.
سأضيف إلى هذا كله حالة الشجن التي تنتابني على وجه الخصوص: أوراق جافة صفراء وبرتقالية تتساقط بكمّ هائل من الذكريات والحنين لوجوه عصيّة على الغياب، ولأماكن بعينها تأبى أن تغادرنا وإن غادرناها.
في حالٍ كهذه، أتمنى لو أترك لقهوتي وكتبي وأوراقي وحالةٍ من الذهول التأمّلي والوجودي، أجدني حقًا جديرة بها.
لكن في كل عام، في هذا الوقت تحديدًا، يُطرَق الباب ثلاث طرقات، ويفتح من تلقاء ذاته على زهور وكتب وأعلام ومفرقعات وضحكات وبالونات وشرائط ملوّنة وشموع ودموع، وألحان ونغمات بعضها حالم وبعضها نشاز.. غزلان تثب، وأرانب تقفز، وديك رومي مذعور، وحمائم بيضاء تتطاير، وندف ثلج، وإرباكات وتناقضات، وأيام… أيام كثيرة حشرت نفسها كلّها، بحلوها ومرّها، في النهايات.
هل قلتُ: وأمنيات وصلوات وابتهالات بأن تزول الأوجاع عن الكل، ويكون القادم بإذن الله أجمل للجميع؟
