انتهت الحرب في غزة ومات الأبرياء وتحول المشهد إلى اتفاق وهدنةٍ مؤقتة، لكن الحقيقة أن ما جرى ليس نهاية الحرب والدمار، بل بداية مرحلةٍ أكثر تعقيدًا من القتال نفسه. فالاتفاق الذي أُعلن عنه بالأمس لا يمنح أي طرف صكّ انتصار أو الرقص على جثث الشهداء، بل يفتح باب الأسئلة الكبرى ماذا بعد الاتفاق؟ وكيف ستُدار مرحلة ما بعد الصمت المدفوع بثمن الدماء؟ إسرائيل، رغم قوتها العسكرية الهائلة، خرجت من الحرب وهي تحمل معها ألمها الداخلي والمثقل بالشكوك الداخلية، وخسرت جزءًا من صورتها المهيمنة أمام العالم.
أما غزة المنتصرة بصراخها وجراحها دمارها، فقد أثبتت أنها قادرة على الصمود كأرض لمستحقيها، وأما حماس التي كانت تناور من تحت الأنفاق وتدفع بدماء الأبرياء وخسرت ثمنًا إنسانيًا باهظًا من الأرواح والدمار والمعاناة. لا غالب ولا مغلوب في هذه المعركة الدموية؛ فالقوة الميدانية لم تغيّر شيئًا من جوهر المأساة السياسية الفلسطينية ما بين سلطة والجماعات والإنسانية تأتي بعد ذلك.
الاتفاق الحالي، وإن حمل انفراجة إنسانية، يبقى اختبارًا حقيقيًا لمن أراد الصلح وانهاء الحرب، فكل ما لم يتحقق في ميدان الحرب لن يتحقق على طاولة المفاوضات إذا استمر الطرفان بالتفكير بذات المنطق.
ستظل أنفاق غزة مصدر قلق استراتيجي لإسرائيل ما لم تتحول إلى بيئة قابلة للحوار المفتوح والوصول للحياة تحفظ الجميع، لا طريق إلى السجون المغلقة حيث يختنق فيها البشر تحت الحصار من جانب والموت من جانبٍ أخر. التحدي الآن ليس في بقاء الهدنة، ووقف إطلاق النار، بل الانتقال للمرحلة الحقيقية في بناء السلام.
فلسطين وغزة لا ترد الخدمات، بل تريد أن تعيش، وإسرائيل مهتمة بأمنها القومي والوجودي، إن مجتمعًا يعيش بلا أفق واضح وبلا سيادة جادة للحوار أو اهتمام إنساني سيبقى مستعدًا للانفجار في أي لحظة.
المنطقة كلها أمام مفترق طرق، إما أن تُترجم هذه الهدنة إلى مشروع واقعي لإعادة الإعمار ورفع الحصار وتوحيد الصف والقرار الفلسطيني، أو نكون على موعدٍ مع جولةٍ جديدة من العنف والدمار لن تغيّر سوى أرقام الضحايا وتواريخ الحزن والصرخات، الحرب انتهت على الورق وطاولة المفاوضات، لكنها لم تنتهِ في النفوس
والنصر الحقيقي لن يُقاس بما سقط من صواريخ أو مبانٍ، بل بما سيُبنى من أملٍ بعد هذا الدمار والركام.