نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً
ليست هذه أول مرة تنخفض فيها أسعار النفط بمثل هذا الانخفاض المرعب، ولن تكون بطبيعة الحال الأخيرة. فقد هبطت الأسعار في منتصف الثمانينيات وفي أواخر التسعينيات، وكذلك في نهاية العقد الماضي عندما هوت من 147 إلى 35 دولارا للبرميل.
وقد نجد بعض المبررات لتلك الانخفاضات، من وجود كميات هائلة من الإمدادات في السوق النفطية في الحالين الأوليين تفوق بكثير الطلب العالمي. أما في الحال الثالثة، فلم يكن هناك مبرر اقتصادي أو منطقي لصعود الأسعار في عام 2008 إلى نحو 150 دولارا للبرميل خلال فترة زمنية وجيزة. لكن السعر ما لبث أن هبط فجأة إلى مستوى متدن جدا، عند حدود 35 دولارا للبرميل.
أما الانخفاض الأخير، من 115 دولارا إلى ما دون الـ60، أي بنحو 50 في المائة، في وقت تساوى فيه الطلب العالمي مع الإنتاج، فهو أمر مختلف تماما. فمجموع الإنتاج اليوم، من السوائل النفطية، في حدود 92 مليون برميل. والطلب يحوم حول هذا المستوى.
ولم يكن من المفروض أن تتعرض السوق لمثل هذه الهزة العنيفة لولا تكالب عدة عوامل تصادف وجودها في وقت واحد. وربما أن توقيت حدوثها مع قرب الاجتماع الدوري لأعضاء منظمة دول “أوبك” كان قد لعب دورا بارزا في تضخيم الحدث. وتغلبت العواطف والحالة النفسية على العقل والمنطق.
تلك العوامل تمثلت في ارتفاع قيمة الدولار، الذي أثر قليلا في اقتصاديات بعض الدول، وتواصل ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، متزامنا مع ارتفاع في إنتاج بعض دول “أوبك” في وقت لم يكن مناسبا. لأن الارتفاع الأخير كان القصد منه، حسبما يظهر، تعويض النقص في إنتاج بعض دول منطقة الشرق الأوسط. وصادف أن رفعت ليبيا إنتاجها في الزمن نفسه.
هذه العوامل ساعدت على وجود فائض بسيط في السوق النفطية وكان من الممكن أن تمتصها السوق، فهي لم تكن تزيد على نسبة 1.5 في المائة من مجموع الإنتاج العالمي.
يظهر -والله أعلم- أن أعضاء منظمة “أوبك” عندما صمموا على اتخاذ قرارهم السلبي بعدم اللجوء إلى تخفيض الإنتاج ولو اسميا، لم يكونوا يتوقعون انهيار الأسعار إلى المستوى الحالي، الذي لم يصل إلى البعد التنازلي بعد. وتفرقوا بعد الاجتماع دون أن يتركوا الباب مفتوحا ويلمحوا إلى إمكانية مراجعة قرارهم حسبما تمليه عليهم ظروف السوق النفطية. بل أظهروا ثقة غير اعتيادية بأن الأمور ستعود إلى طبيعتها وأن الوضع سوف يُصحح من نفسه.
لا ندري إلى أي مدى سيكون التصحيح. وهل الانخفاض السريع وخسارة مئات المليارات من الدولارات دون أي مبرر أمر طبيعي؟ وما ذنب الشعوب التي تعيش كاملا على الدخل النفطي حتى تخسر ملايين البراميل من ثروتها الناضبة و50 في المائة من السعر؟
على كل، قد أخفقت منظمة “أوبك”، للمرة الأولى في تاريخها، في الحفاظ على دورها الريادي كعامل مؤثر في السوق النفطية. فالدور السلبي الذي اختارته لنفسها ظهرت نتائجه أكثر سلبية.
كان من الممكن أن يعالج أعضاء المنظمة الموضوع بحكمة وفعالية أكبر. ومن الصعب تحليل الوضع الحالي الذي يقود الأسعار إلى أسفل سافلين إلا بالافتراض أن هناك عوامل نفسية تهيمن على أصحاب العروض، الذين أصبحوا يتسابقون إلى تخفيض أسعارهم كما لو أن نهاية الدنيا على الأبواب. وماذا يضيرهم لو أنهم، مجتمعون أو منفردون، خفضوا إنتاجهم قليلا، ليس فقط من أجل تعزيز السوق، بل للحفاظ على ثرواتهم وإبقائها في مأمن من نزول الأسعار؟
ما هو يا ترى تأثير نزول الأسعار في اقتصادنا المحلي؟ إذا استمرت الأسعار عند المستوى الحالي فإن الخسارة السنوية قد تبلغ أكثر من 100 مليار دولار، وهو مبلغ كبير بكل المقاييس. وكون لدينا فوائض مالية ضخمة نتيجة لمستوى إنتاجنا المرتفع خلال السنوات الماضية، لا يعني أننا في مأمن من نوائب الدهر خلال المستقبل المنظور.
هناك إجراءات فورية قد بدأت تأخذ مجراها نحو تأجيل بعض المشاريع وتحجيم مشاريع أخرى في عموم المملكة. وفي كلا الحالين، سوف ينجم -دون شك- عن مثل هذه الخطوات خسارة مالية كبيرة. ونحن لسنا ضد تحجيم المشاريع وخفض الإنفاق من أجل المصلحة العامة والحفاظ على ثروتنا الناضبة، لكن دون أن يكون ذلك مرتبطا بنزول الأسعار.
التقشف المحمود مطلوب في جميع الأحوال. وهو ما سوف يقود -إن شاء الله- إلى إنجاح محاولاتنا لتنويع الدخل وفك ارتباطنا الكامل بالمداخيل النفطية. ونرجو ألا يتخيل أحد أن الأسعار التي تحددها السوق النفطية خلال هذه الأزمة الطارئة تكون عادلة. فأسعار مادة ناضبة ليس لها مستوى أعلى. وأولى أن يرتفع السعر مع استمرار عملية النضوب، نظرا لغياب أي تعويض للكميات التي يتم إنتاجها واستهلاكها.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/12/18/article_915689.html