على ذمة أحد الأصدقاء أن بعض المشايخ من تهامة اجتمعوا مرة بشيخ في الرياض وكان النقاش حول تحريم «القات». قال أحد الحضور موجهاً حديثه لمضيفهم في الرياض: «يا شيخ ما عندنا إلا القات والحشيش». ثم بدأ جدال صاخب حول تحريم الحشيش. غضب الوفد الزائر من مضيفهم وظنوا أنه شيخ متزمت إلى درجة أنه يحرم «الحشيش» الذي هو قوت «حلالهم»! ولما تبين أن أهل الجنوب يسمون العشب بـ»الحشيش» أدرك الشيخ المسألة وضحك الجميع من «سوء الفهم» الذي حدث. لا أعرف مدى دقة القصة. لكن الحقيقة أن بعض القضاة القادمين من مناطق بعيدة عن تلك التي يعملون بها قد لا يدركون مسائل لغوية وثقافية واجتماعية في المجتمعات الجديدة التي يعملون بها. يخبرني صديق من نجران قبل أيام أن هادي آل مطيف حينما سئل في محكمة التمييز إن كان يعترف صراحة بالردة فأجاب بنعم. لكنه تبين فيما بعد أن قصده كان تراجعه عما قال في لحظة طيش. فمصطلح «مرتد» عند هادي، وهو البدوي البريء، تعني أنه متراجع عما قال. كان يريد تأكيد تراجعه وأسفه لكن المحكمة سجلت اعترافه بالردة التي قادت إلى سجنه ثماني عشرة سنة. ولن أستغرب أن تكون محاكمنا قد عاشت قصصا غريبة، تشيب لها الرؤوس، بسبب قصور في فهم القاضي لثقافة المجتمع ومصطلحاته وعاداته إما لصغر سنه أو لقلة خبرته في ثقافة المجتمع الذي يعمل به. ليس بالضرورة أن يكون القاضي من ذات المنطقة التي يعمل بها فكونه من منطقة أخرى قد يعطيه ميزة الحياد أو قد يبعد عنه شبهة الانحياز، قبليا كان أم عائليا، لكنها ضرورة أساسية أن يفهم القاضي ثقافة البيئة الجديدة التي يعمل بها وعادات أهلها ولغتهم وتقاليدهم.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٧٥) صفحة (٣٦) بتاريخ (١٧-٠٢-٢٠١٢)