كاتب سعودي
في بدايات الثورة السورية، تناقل الناس مقاطع فيديو لأزلام نظام بشار الأسد وهم يقومون بتعذيب المعارضين السوريين بطرق وحشية، ورغم بشاعة تلك المناظر، إلا أنها لم تكن مستغربة من نظام متوحش لا يقيم وزنا لكل القيم الإنسانية والدينية، ولكننا اليوم أصبحنا نشاهد مقاطع فيديو لجماعات تدعي أنها إسلامية (شيعية وسنية) يتباهى أفرادها بقتل الأبرياء أمام الكاميرا والتمثيل بجثثهم وشق بطونهم بطريقة تأنف منها حتى الحيوانات المتوحشة ناهيك عن البشر.
لنفترض، عزيزي القارئ، أنك مسيحي في الإكوادور، أو وثني في كوريا الجنوبية، أو من أي ملة كانت في أي بلد في هذا العالم، وشاهدت مثل هذه المقاطع المرعبة التي يدعي أصحابها أنهم يقومون بهذه الأعمال الشنيعة لأن الدين الإسلامي يأمرهم بذلك، كيف ستكون فكرتك عن هذا الدين؟، وإلى أي مدى سوف يصل خيالك بخصوص الإسلام؟، لا شك أنك ستقول إنه ما دام المتدينون المسلمون يقومون بهذه الجرائم بدم بارد، فلا شك أن الأشخاص الأقل تدينا في العالم الإسلامي يقومون بأعمال أشد بشاعة.
حسنا.. لا تتعب نفسك، عزيزي القارئ، ولا تتقمص أي شخصية من دين آخر، ابقَ كما أنت مسلما على مذهب أهل السنة والجماعة، أو من الطائفة الشيعية، أو من أي طائفة من طوائف الإسلام، وتخيل لو كان هذا الطفل الذي يتم نحره أمام الكاميرا هو ابنك، وأن هذا الرجل الذي يتم التمثيل بجثته وسط تصفيق وتكبير المتوحشين هو والدك، هل يمكن أن تصدق بأن هؤلاء الأشخاص مؤمنون ومجاهدون ويمثلون الإسلام الذي ارتكبوا جرائمهم باسمه؟، هل هذا هو الإسلام؟!.
لا تخدع نفسك، عزيزي القارئ، وتقول بأن من يرتكبون هذه الجرائم المصورة هم فئة قليلة لا تمثل المسلمين؛ لأن الذين يؤيدون هذه الجرائم وينشرون مقاطع الفيديو المرعبة بالملايين، بل إن بعضهم يرى بأن من قاموا بهذه الأعمال البشعة أفضل منه من الناحية الدينية؛ لذلك يحاول كسب ولو أجر قليل من خلال نشر جرائمهم على شبكة الإنترنت مصحوبة بالتهليل والتكبير، بل ويهاجمون أي شخص ينتصر لإنسانيته ويعبر عن تقززه من هذه المناظر المريعة.
اليوم، يمر الإسلام دين الرحمة والتسامح والإخاء والعفو عند المقدرة بمرحلة خطيرة جدا، تحولت فيها الوحشية إلى منهج، والهمجية إلى غاية، وتمزيق الأحشاء إلى عادة مستحبة، الآلاف يبحثون عن الأجر من خلال التمثيل بجثث القتلى، والملايين يشعرون بالنشوة وهم ينشرون مقاطع لعمليات حز الرؤوس، نحن رغما عن أنوفنا نتحول إلى أمة بلا ضمير، وشيئا فشيئا سوف يتحول سفك الدماء إلى طقس ديني مبارك مدعوم بفتاوى من تجار الموت، ينمو الحقد الطائفي في قلوبنا، وتستطيب رائحة الدم أنوفنا، وتعمل عقولنا ليل نهار كي تجد مبررا دينيا لكل الجرائم البشعة التي لا تقبلها الفطرة الإنسانية.
أرجوكم، إذا اخترتم أن تكونوا وحوشا بلا ضمائر أو مؤيدين للوحوش حاولوا أن تقولوا بأن هذا هو خياركم الشخصي، ولا تقولوا بأن الإسلام هو الذي يأمركم بارتكاب هذه الفظائع.
المصدر: صحيفة عكاظ