حسن بن سالم
حسن بن سالم
كاتب و باحث سعودي

هل تُقَبِّل رأس القاضي لتنال حقها؟

آراء

شاهدت أخيراً تقريراً صحافياً مصوراً على إحدى القنوات التلفزيونية عن مواطنة سعودية تعرضت للعنف من والدها، وكانت تتحدث بكل أسى وإحباط عن معاناتها، خصوصاً بعد لجوئها للمحكمة والقضاء وشعورها بفقدان الأمل، فقد كان والدها يحضر للمحكمة ويعالج، بحسب تعبيرها، موقفه ووضعه بتقبيل رأس القاضي وتمشي وتنتهي أموره، تقول بعدها وبكل حسرة، وبحسب فهمها وإدراكها، ليس لدي مانع أن أُقبِل رأس القاضي مادامت أموري راح تمشي وتنتهي من ذلك الجحيم الذي أعيشه، كان تعبيرها يحمل أبلغ معاني الأسى، فأي أسى أبلغ من كون الإنسان يقع الظلم عليه وهو يستجدي رفع تلك المظلمة عنه من المكان الذي هو أساس تطبيق العدالة والفصل بالعدل والحق بين الناس وهو القضاء.

مثل هذه الحال ليست فردية أو حادثة عابرة، فهناك بعض النساء ممن يعانين الغبن الذي يلحق بهن في أروقة القضاء من أجل إنصافها من مظلمة لحقت بها في قضية من قضايا العنف أو الحضانة أو الطلاق، أو الإرث، أو الولاية ونحو ذلك، لتجد نفسها في نهاية المطاف مخيّرة بين أمرين لا ثالث لهما، وعليها أن تختار إما ظلم المدعى عليه، أو إهمال المحاكم في ظل عجزها عن شرح بينتها للقاضي الذي قد ينظر إليها بنظرة حساسة، ويلزمها بالاختصار في الحديث، أو الاحتشام أو غيره، وفي ظل غياب المحاميات اللاتي يتفهمن قضايا المرأة أكثر من المحامي الرجل، وتشعر المرأة معها بحرية أكثر في التعبير عن مظلمتها، ناهيك عن الأعوام الكثيرة التي قد تقضيها أثناء ذلك في التنقل والركض بين المحاكم معرضات أنفسهن للخلافات الأسرية التي لا تنتهي والقيل والقال بسبب لجوئهن إلى المحاكم، وخروجهن المتكرر لحضور الجلسات التي قد تصل إلى أشهر وأعوام.

وهذه القضايا تعد مصيرية بالنسبة للمرأة، فالمرأة لم تلجأ إلى المحاكم إلا بعد أن استنفدت الحلول الممكنة كافة على المستويين الفردي والأسري لعلاج مشكلتها، فلجوؤها إلى المحاكم يعد آخر الحلول بالنسبة لها ولأسرتها، وتأخير قضيتها في المحاكم يعني مدّ فترة معاناتها، واستمراراً للظلم الواقع عليها (من خصمها)، فقد تكون تحت سيطرة زوج يعنفها أو يسيء معاملتها، وقد تكون ضحية لمماطلة طليقها وعدم التزامه بالنفقة على أبنائها، أو ضحية طليقها الذي أخذ أبناءها منها، وحرمها وحرق قلبها تشوقاً لرؤيتهم، أو ولياً يمارس وصاية بحرمانها من وظيفتها، أو إكمال تعليمها وزواجها، أو قد تكون ضحية أخوة ينكرون عليها حقها في الميراث ويحرمونها منه.

المشكلة في القضاء لدينا ليست مجرد مسألة تشريعية، على رغم أهميتها الكبرى، بقدر ما هي أيضاً مشكلة فكرية وثقافية، فلا بد من الأخذ في الاعتبار أن هذه المؤسسة تتكون في حقيقتها من عناصر بشرية وموروث قضائي (عقلية قضائية)، وأنه لا بد من السير في خطين متوازيين، بإصلاح وتطوير المكونات التشريعية والمكونات المادية، بما فيها الثقافة القضائية والحقوقية لأعضاء هذه المؤسسة، فالقضاء لا يوجد في تراثه القضائي ما يعرف بـ«القانون»، ولا يمتلك بعض من القضاة فيه ما يكفي من التأهيل والمعرفة بالثقافة الحقوقية المعاصرة، ولا تزال طرقهم وأساليبهم في العمل القضائي هي الطرق المتبعة منذ عقود من الزمن، علاوة على الفكرة المسيطرة على بعض القضاة، وهي أنهم ينظرون للعمل القضائي على أنه اشتغال فقهي، ما أربك العمل القضائي وأفقده الاحترافية اللازمة، وقد سارت الأمور بهذا الشكل فترة طويلة من الزمن، فأصبح من الضروري تطوير وإصلاح المؤسسة القضائية تشريعياً، وأصبح لزاماً أيضاً أن تمتد عملية التطوير إلى مكونات هذه المؤسسة البشرية أيضاً، والعمل على تطوير «العقلية القضائية»، والعمل على إيجاد عناصر جديدة ذات ثقافة حقوقية عالية وتأهيل قانوني وعلمي.

ولكن، وبكل أسف، يأتي مثل هذا الكلام ومدى الحاجة والضرورة إليه في وقت أوضحت فيه منذ فترة وجيزة وزارة العدل أن ما تم تداوله في بعض الصحف من أن المحاكم المتخصصة بدأت تستعين بقانونيين وخبراء وأكاديميين للعمل كقضاة محض افتراء، وأن الاستعانة وحسب بأكاديميين من حملة الشريعة، وليس غيرهم، وأنه لا مكان لغير حمَلة الشريعة في القضاء، وأنها مسلَّمة دستورية لا تقبل النقاش، وهو ما قد يجعلنا غير متفائلين بإحداث تغيير وتطوير في كادر المنظومة القضائية.

المصدر: صحيفة الحياة