كاتب وصحفي سعودي
كانت والدتي، حفظها الله ورعاها، تطمح إلى أن أصبح مهندسا. تضاعفت هذه الأمنية عندما التحقت بكلية العمارة والتخطيط. منذ يومي الأول في الكلية وهي تناديني بالمهندس. حتى بعض أقاربي كانوا يطلقون عليها لقب أم المهندس. المشكلة لا تكمن هنا. المشكلة تكمن في أنني لم أستسغ التخصص، لم أشعر وأحس به، كنت مأخوذا بالصحافة. كانت الصحافة تجري في دمي. أذهب إلى محاضرتي كي أفرغ منها. جسدي في الكلية وقلبي في الصحيفة. كنت أسمع كثيرا قبل انضمامي إلى كلية العمارة عن حب من طرف واحد. عندما دخلتها تعرفت على اللا حب من الطرفين. عانيتُ كثيرا حتى حان موعد الطلاق. التحدي الكبير كان كيف أخبر والدتي؟ أو كيف أخذلها بأقل عدد من الخسائر؟ لم أستطع مواجهة دموعها وخيبة الأمل، التي تكسو وجهها. راوغت. خرجت من الجامعة دون أن تعلم. كلما شاهدتني سألتني عن الجامعة بحماس وأجبتها بفتور. إحساسها قادها إلى أن تعرف أني غادرت الجامعة وأني لن أكون مهندسا. كان شعورا أليما تجرعناه معا. مرضنا طويلا. هوت طموحاتها كثيرا. بعد أن تعافيت قليلا رتبت معي حقائب رحلتي الجديدة بلا حماس. فهي لا تعلم فربما أكون أضرب موعدا مع خيبة أمل جديدة. فلم تفق من الصدمة بعد. إذ ما زال الناس ينادونها بأم المهندس. تعبت أمي من الألم ومن التصويب للناس. مرت السنوات وتخرجت متفوقا من تخصص الصحافة الذي أبتغيه. تابعت مباشرة رحلة الماجستير. بيد أن الفرحة لم تكتمل. كان هناك شيء ما ناقصا. كلما أبحرت في عيني أمي عثرت على حزن لا أستطيع انتزاعه. أشعر أنني من زرعته في حدقتيها. تابعت دراسة الدكتوراه؛ لأكفّر عن ذنبي، الذي ولج شباك روحها. كانت الرحلة عسيرة. مليئة بالعقبات والعراقيل والتحديات النفسية والعائلية والشخصية والعلمية. تعثرت في البداية وغادر مشرفو الجامعة في خضم رحلتي البحثية. لكن كان رسم الابتسامة على محيا أمي من جديد هو الدافع الرئيس؛ لأستمر. نلت الدكتوراه رسميا يوم 17 حزيران (يونيو) 2014. لكن ما يهمني الآن، هل سامحتني يا أمي؟
المصدر: الاقتصادية