كاتب وإعلامي سعودي
في خضم الصراعات الدموية والقتل والفوضى الخلاقة وغير الخلاقة في عالمنا، هناك إضاءات تُفرح وتبعث الأمل والسرور إلى النفس في منطقتنا، بعيداً عن الهموم والوصاية من البعض باسم الدين؛ كيف نفكر؟ أو ماذا نقرأ أو نشاهد؟
يبدو أن التيارات الظلامية مشغولة في مشروعها التدميري، وأعطت فرصة ومساحة أن نشهد ولادة مشاريع ثقافية ذات صبغة إنسانية منفتحة على العالم بروح العصر ضد دعاة التعصب والانعزال في عالمنا العربي، ومثل هذه المؤسسات والمشاريع الثقافية هي إحدى الوسائل الفعالة لمحاربة التشدد والإرهاب الذي اختطف مشهدنا الثقافي من خلال دعاته وقنواته التلفزيونية، التي تبث فكر الإقصاء والتكفير صباح مساء؛ ومن ثم نتساءل نحن في مؤتمراتنا أين يكمن الخلل؟
الإمارات العربية المتحدة كما دول الخليج الأخرى تعمل على تنمية مجتمعاتها، وتحاول أن تنأى عن التشدد والتطرف، ونجحت حتى الآن في هذا المسعى، ولكن الجميل في هذا المشروع الخليجي هو ما عملت عليه إمارة دبي بإنشاء «دار أوبرا» تم افتتاحها الأسبوع الماضي في عرس ثقافي بهي، وقدمت فيه فرقة عالمية أول عروضها.
تابعت افتتاح هذا الحدث الثقافي في وسائل الإعلام الخليجية، وشدني الطراز المعماري لدار «أوبرا دبي»، التي صممت على شكل المراكب البحرية «الداو» المصنوعة من الخشب، التي كانت تجوب الخليج منذ آلاف السنين في رمزية إلى أهل الخليج.
لا شك أن «أوبرا دبي» هي إضافة جمالية وثقافية واقتصادية للمنطقة عموماً، وهذا باعتقادي استشراف وعمل جاد في تنوع الاقتصاد الخليجي بعيداً عن النفط المتقلب الأسعار، إضافة إلى دخول مصادر أخرى للطاقة، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر هناك غربة ووحشة يعيشها الزائر للمدن الخليجية من سرعة نمط الحياة فيها، وأنها مدن أسمنتية صامتة يحس الفرد فيها بالانبهار في اللقاء الأول، ولكن سرعان ما يحس بالاختناق، وقد لا يعرف الغالبية منا سببه، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن غياب المناشط الثقافية من مسرح وفنون هو سبب هذه العزلة، وأنا أقصد أن تكون المسارح ومراكز الفنون قريبة من وجود الإنسان، وأن لا تكون نخبوية ومخملية لبعض الطبقات.
مثل هذا الصرح الثقافي – وبلا شك – سينشر ثقافة الموسيقى العالمية، وينمي الروح، ويعمل على الانفتاح على الثقافات الأخرى، إضافة إلى أن مثل هذه المؤسسة ستُعنى بنشر الموسيقى وتعليمها هناك، وأن ما ستقدمه من عروض ترفيهية ذات صبغة عالمية قد تكون مناسبة للمواطن الكوني في عالمنا.
ليس من باب الوصاية أن أطلب ممن يزوروا دبي من السعوديين أن يحضروا مثل هذه الفعاليات، ولكنها أمنية أن يزوروها كأحد المعالم الثقافية هناك مع عائلاتهم، كما هم يتزاحمون على دور السينما والمطاعم والمجمعات التجارية، خصوصاً أن موقع «أوبرا دبي» قريب من الأماكن التي يرتادونها، وهي برج خليفة والنافورة الشهيرة هناك.
رحم الله المعمارية العراقية الراحلة «زها حديد» مصممة المشروع، وشكراً لكل من قام عليه في سبيل نشر قيم التسامح والثقافة الإنسانية التي ترتقي بالروح بعيداً عن مشاهد الدم والقتل في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
المصدر: الحياة