كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
يسألني: هل نستطيع إكمال ورشة بنائنا التنموية الهائلة بسعر نفط ما بين الخمسين والستين؟ قلت له: لست خبيرا بعوالم الاقتصاد ولكنني سأرد واثقا: نعم ويمكننا هذا بشرط جوهري أن نبدأ حرب أفكار البناء والتنمية وأن نقبر للأبد فكرة المجتمع “الرعوي” الذي لا يعرف الرضاعة سوى من ثدي الحكومة. لدينا اليوم قاعدة وزارية شابة يحملون أفكارا عصرية، ولكنهم بحاجة ماسة إلى “تحطيم” السقف المتماسك من نوابهم ووكلائهم ومديري عمومهم من “المحنطين” الذين عاشوا لعقود في الوزارات ذاتها على ترقيات نظام الخدمة المدنية ونظريات الإدارة العامة وروتين الأنظمة والأوامر. نحن بحاجة إلى جيش جديد في جهازنا التنفيذي العالي يأتي إلينا من عالم “إدارة الأعمال” وقلب “البيزنس”.
خذوا هذه الأمثلة: يذهب 30% من هذا الشعب للعلاج في المشافي الخاصة وقد لا يعلم الكثر أن أكثر من 70% من هذه النسبة يدفعون الفواتير إما عبر وزارة الصحة أو عن طريق شركات التأمين. تقول ثورة الأفكار أيضا إن بناء مستشفى حكومي جديد بـ”500″ سرير يحتاج لمليار ريال، بينما لا يحتاج نظيره “الخاص” سوى لقرض بـ”50″ مليونا قابلة للاسترجاع الكامل. يقول البرهان المثبت إن المستشفى الخاص أكثر فاعلية وأقل تكلفة في علاج الفرد الواحد. نحن بهذه الأرقام نستطيع أن نرفع نسبة العلاج “الخاص” إلى الضعف تماما في ظرف ثلاث سنوات وبثلث التكلفة. في المثال الثاني، يستطيع الأخ الغالي الدكتور عزام الدخيل أن يقوم بغارة على مدارس الظهران الأهلية، جوهرة التعليم العالي في كل الشرق الأوسط. يستطيع أن يعمم فكرة هذه المدرسة بشروطها وصرامتها على كل مدرسة خاصة تطلب التصريح، ويستطيع من بعدها أن يجعل من كل البلد “نصفين” متساويين من التعليم الحكومي والخاص، وسيكتشف بعد خمس سنين أنه استطاع توفير ثلث ميزانية التعليم في حساب الدولة. يستطيع معالي وزير النقل أن يسند طريق العقبة الجديد الذي سيكلف الدولة ستة مليارات إلى ائتلاف من القطاع الخاص ليستثمر هذا الطريق لعشرين سنة عن طريق “الدفع”، مثلما تفعل كل دول العالم التي آمنت بشراكة القطاع الخاص، دون أن تتحمل الدولة ريالا واحدا في هذه الفكرة التنموية. وخذ بالمثال أن “مترو لندن”، ومنذ ثلاثين سنة ملك يدار عبر قطاع الأعمال والبيزنس. نحن ما زلنا في هذا المجتمع “الرعوي” ندعم الناقل الجوي وشركات الماء والكهرباء رغم الحقيقة التالية: يقول تقرير اقتصادي نشرته الزميلة الشرق الأوسط مؤخرا إن ما يقرب من 36% من رأسمال القطاع السعودي الخاص يذهب إلى عشرات البلدان للاستثمار في بعض الأمثلة التي كتبتها فيما سبق. هم ذهبوا إلى هناك لأنهم صدموا هنا أن الأنظمة التي تحكم شراكة القطاع الخاص مع العام هي أنظمة “الإدارة العامة”، بينما العالم يفتح لهم قوانين “إدارة الأعمال”. نحن أعظم سوق بالغة الثراء والربحية المضمونة ولكن: من هو الجريء الذي سيبدأ الخطوة؟
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=26028