كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
هل نسي أحد كارثة هيروشيما وناغازاكي؟!
نعم، اليابانيون نسوها!
أو هكذا بدا للعالم أن فرسان الساموراي قد استكانوا لصفعة الكاوبوي، إلى غير رجعة.
في أثناء الحرب العالمية الثانية تلقّى العديد من الدول صفعات مؤلمة من القوى المنتصرة، لكن أبرز هؤلاء المنهزمين كانت: اليابان وألمانيا.
ظلت الدول الأخرى تحتفظ بجذوة الثأر مشتعلة وتتحرش بين حين وآخر، فيما بدا أن اليابان وألمانيا قد صرفتا النظر عن تحقيق انتصارات عسكرية إلى تحقيق انتصارات صناعية جعلتهما في مصاف الدول المتقدمة… من دون عضلات!
يعلّق أحدهم، متندّراً: ألم يكن من الأفضل لو أن العالم العربي اشترك فعلياً في الحرب العالمية ثم صُفع كما صُفعت اليابان وألمانيا؟!
تتشابه حالة اليابان وألمانيا في النهضة الصناعية بعد الهزيمة العسكرية، لكنهما تختلفان في الذاكرة الشعبية لما جرى قبل سبعين عاماً، ففيما تبدو الذاكرة الألمانية حيّة حتى الآن وواعية لمرارة تفاصيل الأحداث، وتنبش عبر منابرها الثقافية بين حين وآخر في أسئلة تلك المرحلة والالتزامات المفروضة على ظلالها حتى اليوم، برغم استخدام عصا (العداء للسامية) ضد كل سائل متمرد، تبدو الذاكرة اليابانية وكأنها نسيت كل شيء ورضيت بكل ما هو مفروض عليها إلى اليوم، من دون محاولات للنقاش أو مجرد السؤال.
هل هذا يعود لوداعة الشعب الياباني الذي كان قد خاض حروباً توسعية شرسة، منذ العصر الميجي، مع الجوار الصيني والكوري، ما زالت أعراضه الشعورية باقية حتى الآن، على المستويين الرسمي والشعبي؟
هل يوجد هذا النفور نفسه عند اليابانيين ضد الأميركان بسبب الهزيمة الأقرب الى الذاكرة؟
في افتتاح المؤتمر الدولي الكبير الذي استضافته اليابان الأسبوع قبل الماضي، فوجئ الحضور بولي عهد الإمبراطور الياباني يلقي كلمته باللغة الانكليزية، رغم توافر الترجمة اليابانية إضافة إلى العربية والفرنسية والإسبانية، وكان هذا مثار تساؤل وتندر العديد من الوفود في حفل الاستقبال الذي أعقب الافتتاح. وفي فنادق مدينة ناغويا اليابانية الحاضنة للمؤتمر، كان ملفتاً تربّع شجرة الكريسماس في البهو في هذا الوقت المبكر، حتى قبل وضعها في بهو الفنادق الغربية. وفي إحدى القرى بين مدينتي ناغويا وأوساكا كان مثيراً للانتباه أن مطعماً قروياً بسيطاً، بعيداً عن التجمعات السياحية، يضع على سطحه مجسماً كبيرا لتمثال الحرية، الذي انطلقت من جواره القنابل الذرية التي دكت اليابان عام ١٩٤٥.
هل تكفي هذه الشواهد الثقافية للاستدلال بأن اليابان لا تُضمر عداءً ثأرياً ضد أميركا التي دمرتها؟
وهل هذه الاستكانة اليابانية نابعة من قناعة متجذرة بعدم جدوى العبث العسكري من جديد، أم أنها ذريعة للاحتماء بالقوة الأميركية كأولوية راهنة من الخطرين الأكثر سخونة وقرباً الى اليابان وهما الصين وروسيا؟
أسئلة تدور في ذهن من يزور اليابان، لكنه حتماً لن يجد الإجابة عند اليابانيين، ليس لأنهم لا يعرفون الإجابة فقط، ولكن لأن انغماسهم بالتفكير في المستقبل شغلهم عن التفكير في الماضي.
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees/5873513
المصدر: الحياة