جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

هل نعيش لأنفسنا أم لأبنائنا؟

آراء

خاص لـ هات بوست:

“نُربي أبناءنا ليكونوا أحرارًا، ثم نتألم حين يستخدمون حريتهم.” – كارل يونغ

نحلم بالأبناء في بداية حياتنا، وعندما يأتون تتبدل إيقاعات حياتنا. نصبح أكثر انشغالًا بتفاصيلهم، أقرب إليهم، ونربط سعادتنا بمستقبلهم. ومع مرور الزمن، يحضر السؤال:هل نعيش لأنفسنا حقًا، أم أن حياتنا كلها تتحول إلى رهان على أبنائنا؟

الآباء الشرقيون والغربيون أيضاً يتمنون أن يبقى الأبناء بجوارهم عندما يتقدمون في العمر. هذا الحنين طبيعي، لكنه ليس حقًا مضمونًا ولا التزامًا يُفرض على الأبناء. العلاقة الأعمق ليست عقد أبدي، بل رباطً إنساني و وعدًا غير مكتوب، تُقاس مسافاته بالكلمة الصادقة لا بالوجود الجسدي.

الأبوة والأمومة في جوهرهما عطاء، لكن أي عطاء؟ بمقابل أو بلا مقابل؟

هل هو ذوبان كامل حتى نفقد ذواتنا، أم عطاء يمنح الأبناء جذورًا راسخة ليستندوا إليها وأجنحة قوية ليطيروا بها بعيدًا؟

“إريك فروم” ، في الفلسفة الإنسانية، يرى أن الحب ليس تملكًا ولا ذوبانًا في الآخر، بل هو قدرة عامة على العطاء والاهتمام والمسؤولية. الحب الذي يخنق الأخرين يتحول إلى عبئء، بينما الحب الذي يحررنا يمنحنا حياة.

الأبناء خُلقوا لزمانهم لا لزمننا. لهم أدواتهم وقيمهم ورحلتهم الخاصة. غيابهم الجسدي لا يعني أنهم غابوا عن قلوبنا؛ فالمحبة الحقيقية تمنح الحرية قبل أن تطلب القرب.

الحكمة أن نفهم هذه الحقيقة مبكرًا، لا بعد أن نكبر ونصطدم بالواقع. أن ندرك أن الأبوة و الأمومة جزء من الحياة وليست الحياة كلها. عندها فقط نستطيع أن نحب أبناءنا بلا شروط، وأن نحب أنفسنا بلا تقصير.

ومع رحيل الأبناء وانشغالهم يبدأ فصل جديد يُعرف في علم النفس بمتلازمة العش الفارغ. بعض الأزواج يشعرون بفراغ موجع، لأنهم جعلوا حياتهم كلها للأبناء. وآخرون يجدون في هذه المرحلة فرصة لاستعادة ذواتهم وعلاقتهم الأولى. هنا يتحول دور الأب والأم إلى مرجع صامت، مشورة حكيمة، وحب غير مشروط يرافق الأبناء أينما ذهبوا. وفي الوقت نفسه، فرصة لاستعادة الذات والبحث عن حياة مؤجلة.

امنح أبناءك الحرية… وامنح نفسك الحياة.