مرة سألت وزير خارجية عربياً إن كنا فعلاً نفهم إيران، ثقافة وتاريخاً وتركيبة سكانية ناهيك عن حراكاتها على أصعدة الفكر والسياسة والإقتصاد. كان الجواب جريئاً، احترمت صاحبه كثيراً، إذ أجاب سريعاً بالنفي. نحن لا نفهم إيران.
تذكرت كلام الوزير وأنا، قبل يومين، أحاور الباحث السعودي في الشؤون التركية، د. عبدالله الشمري، الذي أكد لي أننا أيضاً لا نفهم تركيا. كثيرون منا يقرأون تركيا وإيران بالعاطفة والإنطباعات العامة. ولهذا يأتي السؤال دائماً عن أسباب ندرة، إن لم يكن غياب، مراكز الدراسات المتخصصة في الشؤون الإقليمية والدولية. وهو سؤال أصبح مملاً لكثرة ما طرحناه. لكننا صدقاً بحاجة لفهم علمي أشمل لبلدان مهمة في منطقتنا ولنا مصالحنا واختلافاتنا معها.
كم لدينا من يجيد اللغة التركية ويتقنها؟ وكم لدينا من باحثين في الشأن التركي، يقرأون الصحف التركية يومياً ويرصدون حراك المجتمع التركي بكل أطيافه ويفهمونه؟ يقول الشمري إن أعداد الطلاب السعوديين في الجامعات التركية عدد محدود جداً قد لا يتجاوز العشرين طالباً.
ما الذي يمنع أن نبتعث المئات من طلابنا، من مختلف التخصصات، للجامعات التركية وكثيرها معروف بالرصانة الأكاديمية وتنوع التخصصات؟ وذات الأسئلة تنطبق على فهمنا الحقيقي لإيران.
هذا الجهل لا يخدم قضيتنا مع بلد مهم كإيران حيث تخترق السياسة الإيرانية، بذكاء، المنطقة لأن فيها الآلاف ممن يجيد العربية ويفهم التناقضات العربية. «شغل العواطف» لا يفيد في العلاقات الإقليمية والدولية.
فإن نندفع في حب تركيا لأن بعض قياداتها يلقي خطابات تلعب على وتر انكساراتنا لن يخدم قضايانا بما فيها علاقة المصالح المتكافئة مع تركيا. وإن نندفع في كره إيران لأن فينا من يختزلها في أحمدي نجاد لن يخدمنا في مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة.
علينا أولاً أن نقرأ جيداً ونفهم جيداً كيف يفكر الأصدقاء وكيف يفكر من نعتبرهم خصوما!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٨٦) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٧-٠٦-٢٠١٢)