رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
أعرف جيداً أنه من رجال الأعمال المشهود لهم بالخير، ومن عائلة سخية، ولهم مساهمات خيرية وإنسانية متعددة، لم تعجبه كلمة «كثيرون»، تلك الكلمة التي جاءت في سياق وصفي لعزوف الشركات الكبرى عن المساهمة المجتمعية، حيث قلت في مقال سابق «كثيرون منهم مازالوا بعيدين عن المجتمع، لا يسهمون فيه، ولا يشاركون في تنميته وتطويره»، ورغم إصراري على ذلك، أصر هو على عكس ذلك، وقال، كيف عرفت أنهم «كثيرون»؟! وأضاف «كثيرون هم من يسهمون في الخير، وللخير»، لكن دون الإعلان عن تلك المساهمات!
عموماً لا خلاف بيني وبينه في المضمون، لكنّ هناك خلافاً جوهرياً واحداً في الشكل، هذا الخلاف ليس بيني وبينه، ولا بيني وبين التجار الذين لم يعجبهم الحديث عن ضرورة المشاركة بفاعلية في تحمل مسؤولياتهم تجاه المجتمع، الخلاف في فهم معنى المسؤولية المجتمعية، والخلط بينها وبين الالتزامات الدينية كالصدقة والزكاة، تلك الالتزامات التي يفضل البعض عدم الإعلان عنها، باعتبارها عملاً دينياً بين الإنسان وربه، قد تفسد الثواب، وتتجه ناحية «الرياء» في حالة الإعلان عنها.
في حالة الصدقة والزكاة، فلا خلاف أبداً على وجود عشرات الآلاف وربما أكثر، من التجار ورجال الأعمال المحسنين، الذين يسهمون بالسر والعلن في مساعدة المحتاجين والمعسرين والفقراء، ويدفعون أموالاً سخية للجمعيات الخيرية لتدعيم برامجها الرمضانية وغير الرمضانية للمحتاجين، وفي الغالب لا يعرف عن هذه الصدقات أحد، فهي تتم بعيداً عن الإعلام والإعلان، طمعاً في الأجر، هنا لا نملك إلا أن نقول لهم جزيتم خيراً على ذلك، لكن هذا شيء مختلف تماماً عن المسؤولية المجتمعية المقصودة، وهي وفقاً لما هو متعارف عليه، برامج معتمدة بشكل سنوي تخصص لها ميزانيات واضحة ومحددة لتنفيذ مشروعات مجتمعية تعود بالنفع على المواطن والمقيم.
المسؤولية المجتمعية في كثير من دول العالم لها اشتراطات وقوانين خاصة، وهي مربوطة في الغالب بنظام الضرائب العامة، من يسهم يدفع أقل ممن لا يسهم، هي ليست مساعدة مالية مباشرة لفقير أو محتاج، ولا هي إطعام أو كسوة عيد أو مير رمضاني، هي مشروعات تعليمية وصحية واجتماعية، وهي مبادرات ضخمة تعود بالنفع على شرائح محددة من المجتمع.
هي برامج واضحة لتنمية وتطوير الفرد وتأهيله ليصبح منتجاً، هي أشكال عديدة ومختلفة من وسائل دعم المجتمع وتحسين حياة أفراده، قد تكون شوارع أو حدائق، وقد تكون مساكن أو مدارس، وقد تكون على شكل معدات وأجهزة طبية أو تعليمية، وقد تكون برامج علاجية أو فصولاً دراسية، قد تكون، وقد تكون.. لا حصر لأشكالها، لكنها جميعها تشترك في هدف واحد، هو تقديم الدعم للمجتمع اعترافاً بفضله في تعظيم أرباح تلك الشركات.
في الإمارات لا توجد ضرائب، صحيح هناك رسوم مختلفة، لكنها لا تشكل قيمة تذكر عند مقارنتها بضرائب دخل على الشركات تصل إلى 40% في بعض الدول، لذا فلا مجال لربط المساهمات المجتمعية بالضرائب، ومع ذلك اختار معظم الشركات عدم المساهمة في مشروعات المسؤولية المجتمعية!
عوداً على بدء، وبمفهوم المسؤولية المجتمعية لا بمفهوم العمل الخيري الديني، هل كنت مخطئاً ع