خسر مارك زكربيرج أكثر من 30 مليار دولار من صافي ثروته يوم الخميس مع تسجيل سهم «ميتا بلاتفورمز» انخفاضاً قياسياً في يوم واحد بعد توقعات أرباح مخيبة للآمال، ومؤشرات على فقدان السطوة على الإعلانات، هزت قطاع التكنولوجيا في العالم.
وانخفض سهم ميتا 26%، يوم الخميس، ما أدى إلى محو أكثر من 237.6 مليار دولار في أكبر خفض على الإطلاق من القيمة السوقية لشركة أمريكية في يوم واحد، وهذه القيمة تفوق اقتصاد دولة بحجم اليونان. وأدى الهبوط الحاد إلى خفض صافي ثروة مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي زكربيرج إلى 84 مليار دولار، وفقاً لمجلة فوربس.
ويملك زكربيرج نحو 12.8% من عملاق التكنولوجيا المعروف سابقاً باسم فيسبوك.
ويُعد انخفاض ثروته في يوم واحد من بين أكبر الانخفاضات على الإطلاق، ويأتي بعد الخسارة الضخمة التي مُنيّ بها رئيس تيسلا إيلون ماسك والبالغة 35 مليار دولار في يوم واحد في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وبعد الخسارة تلك، أجرى ماسك، أغنى شخص في العالم، استطلاع رأي لمستخدمي تويتر إذا كان يجب عليه بيع عشرة في المئة من حصته في شركة صناعة السيارات الكهربائية. ولم تتعاف أسهم تيسلا بعد من عمليات البيع الناتجة عن ذلك.
وخفضت 21 شركة وساطة على الأقل أهداف الأسعار الخاصة بسهم ميتا بعد أن نشرت الشركة توقعات أضعف من المتوقع، الأربعاء، وألقت باللوم في ذلك على تغيير «أبل» قواعد الخصوصية الخاصة بها فضلاً عن زيادة المنافسة من منافسين آخرين من بينهم «تيك توك» و«يوتيوب».
تراجع ترتيب زكربيرج إلى المركز الثاني عشر في قائمة فوربس للمليارديرات، خلف قطبي الأعمال الهنديين موكيش أمباني وجوتام أداني.
ومن المؤكد أن يظل التداول في أسهم التكنولوجيا متقلباً في ظل ارتفاع التضخم والارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة. ويمكن أن تتعافى أسهم ميتا بشدة عاجلاً وليس آجلاً، مع بقاء التراجع في ثروة زكربيرج على الورق.
وباع زكربيرج ما قيمته 4.47 مليار دولار من أسهم ميتا العام الماضي، قبل خسائر أسهم التكنولوجيا في 2021.
وبحسب بيانات «بلومبيرج»، كانت «أبل» حامل لقب أكبر خسارة يومية في القيمة السوقية عندما فقدت 180 مليار دولار يوم 3 سبتمبر 2020، مايكروسوفت بدورها كانت فقدت 178 مليار دولار من قيمتها السوقية يوم 16 مارس 2020، أما تيسلا ففقدت 140 ملياراً يوم 9 نوفمبر 2021، وكذلك شطب التراجع الحاد 130 مليار دولار من قيمة «أمازون» يوم 30 يوليو 2021. «فيسبوك» يحجز مقعداً آخر في القائمة فقد خسرت الشركة 121 مليار دولار في القيمة السوقية يوم 26 يوليو 2018.
خيبة أمل المستثمرين
سجلت ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستجرام، تراجعاً في صافي أرباحها خلال الربع الأخير من العام الماضي مع ركود في عدد مستخدمي منصاتها خلال نهاية العام، في نتيجة غير مسبوقة للشبكة الاجتماعية العملاقة.
ففي 31 كانون الأول/ديسمبر 2021، كان 2.8 مليار شخص يستخدمون إحدى خدمات الشبكة على الأقل (فيسبوك وإنستجرام ومسنجر وواتس أب) لما لا يقل عن مرة يومياً، و3.6 مليار مستخدم لمرة شهرياً على الأقل.
وتعكس هذه الأرقام ازدياداً طفيفاً مقارنة مع الفترة عينها من العام الماضي، لكنها تعادل تقريباً الأرقام المسجلة في الربع الثالث.
أما خدمة فيسبوك الأساسية فقد فقدت نحو مليون مستخدم يومي نشط في ثلاثة أشهر (1929 مليار مستخدم نهاية كانون الأول/ديسمبر).
وخيّبت الشركة آمال المستثمرين، وأظهرت النتائج المالية أن «ميتا» حققت أرباحاً صافية بـ10.3 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي، مسجلةً انخفاضاً بنسبة 8 في المئة عن الفترة عينها من العام السابق.
ويتماشى حجم مبيعات «فيسبوك» البالغ 33.67 مع توقعاتها، لكن توقعات الإيرادات خلال الربع الحالي لا تتخطى 27 إلى 29 مليار دولار، وهو دخل لا يروق للسوق المُعتادة على تسجيل مزيد من النمو من جانب الشركة.
وأوضحت «ميتا» أنّها تواجه صعوبة في جذب المستخدمين بسب المنافسة، مشيرةً إلى أنّهم يقضون وقتاً طويلاً في تصفّح مقاطع الـ«ريلز» المستوحاة من تطبيق تيك توك والتي تدرّ معدلات مداخيل أقل من منشورات إنستجرام التقليدية.
وكانت الشركة حذرت من أنّ القواعد المفروضة من شركة «أبل» العام الماضي حول الإعلانات الموجهة قد تحمل عواقب سلبية على نتائجها المالية خلال الربع الرابع.
ويلحظ التحديث الأخير لنظام تشغيل «اي او اس» من «أبل» ضرورة أن يطلب ناشرو التطبيقات إذناً لجمع البيانات، ما يؤثر في شركات كبيرة من بينها «ميتا» التي تعتمد نموذجاً اقتصادياً يستند إلى بيع الإعلانات الموجهة بدقة بناءً على أذواق المستخدمين وعاداتهم.
تكاليف «ميتافيرس»
وأوضحت المحللة الاقتصادية في «eMarketer» ديبرا أهو ويليامسون أنّ هذا التغيير الأخلاقي والتقني «يؤثر في قدرة ميتا في تقييم أداء أداء الحملات الإعلانية»، مضيفةً «نعتقد أنّ بعض المعلنين بدأوا ينسحبون جزئياً من ميتا في أواخر 2021 وأوائل 2022 لاختبار قنوات رقمية بديلة».
وكان المؤسس لـ«ميتا» مارك زكربيرج أعلن عزم الشبكة التركيز على عالم «ميتافيرس» الذي يشكّل بنظر كثر مستقبل الإنترنت.
ويُترجَم بناء هذا العالم حالياً باستثمارات بعشرات مليارات الدولارات في قسم «رياليتي لابز»، أحد فروع فيسبوك.
وتحدثت ويليامسون عن شكوك قوية تطال هذه الاستثمارات، مضيفةً «لا شك في أنّ ميتا ستجرّب الإعلانات والتجارة الإلكترونية في تطبيقاتها المتعلقة بعالم ميتافيرس هذا العام، لكنّ هذه الجهود ستكون تجريبية ومن غير المرجح أن تسجّل إيرادات كثيرة على المدى القريب».
وتضررت ثقة المستثمرين كذلك بسبب الفشل الكبير لـ«دييم»، وهو مشروع عملة رقمية أُطلق عام 2019 لتقديم طريقة دفع جديدة خارج القنوات المصرفية التقليدية.
وأعلن الكيان المستقل الذي تولّى المشروع الاثنين أنه سيبيع أصوله الرئيسية ويحل نفسه لعدم تمكنه من إقناع الهيئات الناظمة.
وعلّق المحلل الاقتصادي روب إندرله قائلاً «عندما تُظهر شركة أنها فشلت في تحقيق أهدافها، يشير الأمر إلى إمكاناتها التنفيذية للمشروع»، مضيفاً «إضافة إلى ذلك، يسبّب مارك زكربيرج المزيد من القلق، فهو مالك الشركة الوحيد الذي لا يمكن التحكم بقراراته، ويستمر في ارتكاب الأخطاء».
وتواجه «ميتا» عدداً من التحقيقات والشكاوى حول استغلال مركزها المهيمن، وتدهورت سمعتها أكثر في الخريف بعد تسريب وثائق داخلية أظهرت أنّ الشركة «تضع الربح قبل سلامة المستخدمين».
هل تكسب «جوجل»؟
وبينما تمر شركة «ميتا» (فيسبوك) في خضم أكبر انخفاض في الأسهم على الإطلاق، كانت أسهم «جوجل» قريبة من مستوى قياسي جديد بعدما تفوقت بسهولة على جميع أقرانها من شركات التكنولوجيا الكبرى على مدار العام الماضي.
«جوجل» و«فيسبوك» شركتا إعلانات تهيمنان على الإنترنت منذ سنوات. في حين أن كلاً من الشركتين تقوم بأشياء مختلفة كلياً وتواجه مشكلات وتحديات خاصة بها.
تعتمد تطبيقات فيسبوك بالكامل تقريباً على أبل وجوجل للتوزيع؛ لذلك حد تغيير شركة أبل سياسة الخصوصية الخاصة بها العام الماضي، من قدرة مطوري التطبيقات على استهداف المستخدمين، ما أدى إلى تجريد فيسبوك فجأة من أحد أهم الأصول.
تعتمد جوجل أيضاً على استهداف الإعلانات لربط جهات التسويق بالمستخدمين في العديد من خصائصها، ولكن الإعلان على شبكة البحث يعد أحد الأصول الفريدة – يميل المستخدمون إلى «الاستهداف الذاتي» أثناء كتابتهم في استعلام بحث يشرح بالضبط ما يهتمون به في تلك اللحظة.
عندما يتعلق الأمر بالاستهداف، تمتلك جوجل نظام التشغيل أندرويد، وهو نظام التشغيل الأكثر شيوعاً في العالم، مما يمنحها التحكم في سياساتها الخاصة. وبينما لا تزال جوجل بحاجة إلى توزيع iOS، إلا أنها تتمتع بعلاقة أكثر راحة مع أبل من فيسبوك. تدفع جوجل لشركة أبل مليارات الدولارات سنوياً لتكون محرك البحث الافتراضي على متصفح سفاري من أبل.
وأخبر فيسبوك وول ستريت أنه من المتوقع أن تكلف ميزة شفافية تتبع التطبيقات (ATT) الجديدة من أبل شركة وسائل التواصل الاجتماعي 10 مليارات دولار من العائدات هذا العام. هذا سبب كبير وراء تراجع الشركة عن توقعات الإيرادات للربع الأول وللانخفاض الحاد في سعر السهم، ليهوي إلى أدنى مستوى له منذ أغسطس 2020.
في غضون ذلك، أعلنت جوجل عن نتائج الربع الأخير من العام في وقت سابق من هذا الأسبوع مسجلة قفزة 33% في إيرادات الإعلانات، مقارنة بـ 20% لفيسبوك. يتوقع المحللون أن تحقق ألفابيت (الشركة الأم لجوجل) زيادة بنسبة 23% في الربع الأول، بينما يتوقع فيسبوك بين 3% و11% فقط.
ويرى المحللون الارتباط، «المعلنون الذين لم يعد بإمكانهم الحصول على مستوى الاستهداف الذي يريدونه على فيسبوك ينفقون أكثر على جوجل».
وكتب روهيت كولكارني من MKM Partners في تقرير: «هل أدت تغييرات أبل إلى تحول حصة فيسبوك في السوق إلى جوجل؟.. نعم، نعتقد ذلك».
وقالت شيريل ساندبرج، رئيسة العمليات في فيسبوك والمديرة التنفيذية السابقة في جوجل: إن تغييرات أبل هي الأكثر ضرراً للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تعتمد بشكل أكبر على التخصيص والاستهداف في إعلاناتها.
وقالت: «لذلك نحن نرى بالتأكيد أن هذا له تأثير أكبر في الشركات الصغيرة والمتوسطة».
كان زكربيرج قلقاً بشأن هذا الاحتمال لفترة طويلة. بدون امتلاك الجهاز أو نظام التشغيل، لا يمكن لفيسبوك رسم مساره بالكامل، ويخضع دائماً لأهواء الشركات الأخرى. منذ نحو عقد من الزمان، صمم فيسبوك هاتفه الخاص، لكنه كان «كارثة».
هل يعوّض عالم «ميتا» الافتراضي ما فقدته في العالم الحقيقي؟
في عوامل الخطر ضمن نشرة الاكتتاب العام الأولي في عام 2012، قال «فيسبوك»: «نحن نعتمد على قابلية التشغيل البيني لفيسبوك مع أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة الشائعة التي لا نتحكم فيها، مثل أندرويد وiOS، وأي تغييرات في مثل هذه الأنظمة تقلل من وظائف منتجاتنا أو تمنح معاملة تفضيلية للمنتجات التنافسية يمكن أن تؤثر سلباً على فيسبوك في الأجهزة المحمولة».
وفي عام 2014، استحوذ فيسبوك على شركة سماعات رأس واقع افتراضي ناشئة تسمى Oculus مقابل ملياري دولار، مما أعطى الشركة فرصة لصنع الجيل التالي من الأجهزة ودمج برامجها الخاصة.
هذا الاستحواذ هو أساس المستقبل الذي يرغب فيه زكربيرج كثيراً. في أواخر العام الماضي، قام بتغيير اسم فيسبوك إلى «ميتا» Meta Platforms. في تقرير الأرباح الأخير، قالت الشركة: إن مجموعة Reality Labs، موطن تطوير الواقع الافتراضي، خسرت أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2021.
من يضع القواعد
تفقد الأعمال الأساسية لفيسبوك المستخدمين، وتقوم شركة أبل بالمرونة بطريقة تسبب الذعر.
بالنسبة إلى زكربيرج، قد يكون العالم الافتراضي هو الحل لمشاكله في العالم الحقيقي. بقدر ما يريد أي شيء، التحرر من أبل وجوجل؛ لذلك يجب أن تكون شركته هي التي تضع القواعد.
المصدر: الخليج