كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
شاعت هذه العلامة الترقيمية (ههههه) في كتابات الجيل الجديد، أو أيضاً في كتابات الجيل القديم في الوسائط الجديدة، للدلالة على أن ما قبلها هو موضع تبسّم!
لم تكن هذه الإشارة موجودة ومستخدمة في ما سبق من أزمنة التكاتب، فما الذي فرض الحاجة إليها:
هل هو تفاقم صعوبات فهم عند القراء المعاصرين، بحيث لم يعودوا قادرين على فهم مواضع الفكاهة من دون مساندة ولوحات إرشادية؟!
أم أنها صعوبات تعبير عند الكتّاب الذين ما عادوا قادرين على إيصال فكرتهم بأسلوب واضح وسلس يمكّن القارئ له من فهم مواضع السخرية والتفاعل معها من دون مساعدة أحد؟!
أم أنها خارج نطاق مسؤولية الكاتب أو القارئ، بل هي مسؤولية الإعلام الجديد الذي خلط الحابل بالنابل والساخر بالدامي والمضحك بالمبكي والمبهج بالمقزّز، فاستدعت هذه الاختلاطات الحاجة إلى تمييز أنواع وفئات ما يحويه الخلاّط الإعلامي؟!!
وهل ستكون العبارة الساخرة المكتوبة للقارئ بعذرية وعفوية، جالبة للضحك والمسرّة له من تلقاء نفسها، كمثل مفعولها إذا اغتُصبت عبر إلحاقها بـ ههههههه؟!
في ما مضى، لم يكن الكاتب الساخر هو الذي يقع تحت منظار التقييم فقط، بل والقارئ أيضاً عبر تقييس قدرته على فهم اللذعة الكتابية والتجاوب والتفاعل معها بحسب مكونه الثقافي والنفسي. أما الآن فقد أربك طوق النجاة الضاحك هذا القدرة على تقييم شطارة الكاتب في الإضحاك ونباهة القارئ في التفاعل.
لكن لماذا لم تنتقل هذه الإشارة التنبيهية (ههههه) حتى الآن من المقاطع الكتابية القصيرة إلى المقالات والمطولات، وبقيت محصورة غالباً في الكتابات المبثوثة عبر وسائط التواصل الاجتماعي فقط؟!
السبب يكمن في طبيعة الوسائط الجديدة التي توشك أن تُحوّل التكاتب إلى تخاطب من خلال عوامل مساندة، كانت غائبة من قبل، مثل سرعة التفاعل والتجاوب، وتزامن الصورة بالنص. هذان العاملان جعلا الذي يكتب كأنه يتحدث، والذي يقرأ كأنه يسمع. ولذا جاءت (ههههههه) متممة لهذه الصورة الكتابية المتشافهة (بالفاء)، فهي مؤثر صوتي مقروء، منسجم مع التطويرات الجديدة للنص الصامت أو شبه الصامت.
هل يكون هذا التطور مرحلة في خطونا نحو نهاية عصر الكتابة والانتقال إلى عصر المشافهة… عصر الصوت والصورة المطلق؟
لا يغيب عن الذهن أن الكتابة ثم القراءة هي وظيفة سوسيولوجية مختلَقة وطارئة عند الإنسان، كوّنها وطوّرها عبر العصور السحيقة، وظلّ أفرادٌ من بني الإنسان قديماً وما زالوا حتى الآن لا يتعاطونها بسبب الأمية. بينما يستخدم كل البشر وظيفتهم الفيزيولوجية الخَلقية في الكلام والاستماع، ومن لم يستطع ذلك فهو مريض، بينما لا نعدّ الأمّي مريضاً رغم كل التقدم الذي أحدثته الكتابة في تاريخ البشرية.
هل سنقضي أخيراً على الأمية… لكن عبر العودة إلى عصر ما قبل الكتابة والقراءة؟
هههههه!
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees