لم تقصّر الدولة في توفير وسائل الحفاظ على الهوية الوطنية، واهتم قادتنا بكل المبادرات التي ترسّخ مفاهيم هذه الهوية لدى الأجيال الجديدة، اتحادياً ومحلياً، هناك جهات مسؤولة عن الثقافة والتراث الوطني، وهناك مؤسسات وهيئات تم تأسيسها لهذا الغرض، بعضها متخصص في اللغة العربية، عماد الهوية، خصصت لها كل وسائل النجاح، من ميزانيات إلى كوادر، ولم تكن النتائج بحجم الآمال.
أغلب تلك المؤسسات، أياً كانت الأسماء التي تحملها، تخلّت أو تغافلت وتناست أهدافها، وركّزت على طموحات القائمين عليها، وذهبت إلى تحقيق تطلّعات الأشخاص، وإشباع رغبات حب الظهور في المناسبات المقامة تحت الأضواء. هناك يظهرون، ثم يختفون مكتفين بالمواسم، وبعض الإصدارات التي تتصدّرها أسماؤهم وصورهم، لا يذهبون إلى الناس، ولا يتشاركون معهم، حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم، ويسألوا عن إنجازاتهم.
كثيرون مرّوا على مؤسساتنا الثقافية والتراثية، وكثيرون ما زالوا يتربّعون في أماكنهم، رغم أنهم ليسوا أهلاً لها، لسبب واحد، وهو أنهم اعتبروا تلك المسؤولية العظيمة وظيفة، مصدر رزق، ومرحلة من العمر، قد تطول أو تقصر، وغداً تُنسى، وهذا مفهوم خاطئ، للأسف الشديد، رسخ في أذهان أولئك الأشخاص، الذين كنّا ننتظر من المؤسسات التي يديرونها الكثير.
علينا إعادة إحياء تلك المؤسسات، فنحن نمرّ بظرف استثنائي، يتطلب منّا استدعاء كل الأدوات القادرة على تثبيت الهوية الوطنية، ورفع شأنها، ومنع التجاوزات التي نراها أمامنا للحط من قدرها وتشويهها، فالذين تساءلوا، كانوا على حق، وخوفهم على هويتهم ولغتهم مشروع، ومن كان مسؤولاً، عليه أن يقيّم الأخطار الناتجة عن الخلط الغريب والعجيب الذي يصدر عن جهات وطنية، يفترض فيها أن تكون أكثر حرصاً من غيرها، على تثبيت دعائم المجتمع الأساسية.
المصدر: البيان