كاتب و باحث إماراتي
حمزة كاشغري شاب سعودي صغير، من عائلة معروفة في الحجاز بتدينها وحبها لأعمال الخير، وقامت والدته بتربيته على الخير وحضور حلقات القرآن الكريم، ولم تدر المسكينة أنّ ابنها سيكون أحد ضحايا آلات العصر الحديثة، بل ضحيّة أمّة تنكَّر بعض أهلها لدينهم وأمجادهم، وجهلوا حقيقة الإسلام التي حثّت الأجيال الإسلامية الأولى على العلم والأبحاث والمخترعات، وكانوا أسياد العلم لقرون طويلة، وليس لهم دافع إلا دينهم وحب رسولهم صلى الله عليه وسلم، فأناروا الدنيا باكتشافاتهم التي قامت عليها كل مخترعات العصر الحديث، ثم لمّا ابتعد المسلمون عن جوهر دينهم وروحه التي خُلقت لقيادة الناس وهدايتهم، سقطت مراتبهم من علٍ، وهووا في قاع سحيق من الجهل والذلّ، فتلقّف الغرب كلَّ ما سطّره علماؤنا في شتى العلوم، وترجموه ونقّحوه، وبنوا عليها علومهم، أما نحن فتركونا نهوي إلى المجهول، ولم يكتفوا بذلك، بل غزوا بلادنا، وقضوا على كل أحلامنا لكي لا تقوم لنا قائمة بعد ذلك، وأرادوا أن نبقى أبعد الخلق عن الفهم الحقيقي لديننا الذي هو أساس أمجادنا كلها، ولم تكن لنا من قبله من أمجاد.
لقد نشأ جيلٌ من أبناء المسلمين وقد غرتهم بهرجة الغرب وحضارته، وفكّروا ثم قدّروا، وظنوا أنّ الغرب لم يبنِ حضارته الغالبة إلا بتحرره من المسيحية، ومن كفره بالله جلّ وعلا، وتفننه في الاستهزاء بكل رموزه الدينية، فشمّر هؤلاء المنبهرون عن ساعد الجدِّ، وبدل أن يفعلوا فعل «اليابان» في تقليد مخترعات الغرب ووصولهم فيها درجة الإبداع والابتكار، حتى أصبح الغرب يقلّدهم، قام هؤلاء المساكين بالتنكر لدينهم وتاريخهم، وبدأوا يبثون أفكارهم المسمومة، وزعموا أن لا تقدّم إلا بالخروج من الإسلام أو «علمنته»، بحيث يبقى محصوراً في المسجد لمن يشاء، فتجرؤوا على الله ورسوله، وأدخلوا الشبهات الكبرى في قلوب بعض الناشئة الصغار، الذين لم يميّزوا بعدُ بين الحق والباطل، فزيّنوا لهم بأنهم لن يصلوا إلى العزة والتمكين والتقدّم إلا بالتمذهب بمذهب الغرب الكفري، وتقليدهم في ملبسهم ومأكلهم ولغتهم وأسلوب حياتهم بشكل يضحك منه الحزين، كما رأيته بنفسي!
كان تأثير هؤلاء محصوراً على من يقرأ لهم أو يجتمعون به، ولم يكن المجتمع الإسلامي يشعر بهم، حتى أطلق الغرب عنان «الإنترنت»، فانتشرت منذ 1991، وتسابق الناس عليها، وهي لم تخترع في ستينيات القرن الماضي إلا لأغراض عسكرية، ثم بدأت الجامعات باستخدامها، وفي عهد الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون أفرج عنها، فصارت تدخل كل مكان في العالم بسرعة غريبة، وقد جلبت معها كثيراً من الإيجابيات، ولكنها أيضاً جلبت كما نقول «عوير وزوير والذي ليس فيه خير»، ثم طُوّرت حتى أصبح العالم كله في جهاز هتافك الجوّال، فصار الإنسان صيداً سهلاً لكل الإعلانات والدعوات الصالحة والخبيثة، وكان من أخطرها «فيسبوك» و«تويتر» الذي أوقع كاشغري في الفخ الذي نصبه له ولغيره هؤلاء المتحوّلون، وهو لا يدري.
لقد تناقلت وكالات الأنباء خبراً أثلج صدري وأسعد قلبي، وذكرت أنّ حمزة كاشغري كتب أبياتاً يعتذر فيها للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أبيات عفوية رقيقة تشعر فيها بندمه على ما فعل، وقد تكون له أو قيلت على لسانه، ولكنه أسمعها والدته الكريمة من سجنه كما قالوا، وهذه هي الأبيات:
يا سيّدي يا رسولَ اللهِ تصفحُ عنْ
غرٍّ جهولٍ هوى في أول العُمْرِ
عصى فعاشَ بعيداً في ضلالتهِ
حيرانَ لم يدرِ يا مولايَ لم يدرِ
لو كنتَ حيّاً لما احتار الفتى أبداً
وكنتَ تمسحُ باليمنى على صدري
لو كنتَ حيّاً لما فرّ الفتى فزَعاً
يا سيّد الناس سامحْ أصغر الذرِّ
وإذا صحّت توبته ونسبة هذه الأبيات إليه، فأتمنى إدخاله في برنامج علمي خاص مع شيوخ العلم المرّبين، من أمثال الشيخ عايض القرني، والشيخ محمد العريفي، والشيخ عبد الله فدعق، وغيرهم كثر والحمد لله، ثم يفرج عنه ليكمل مسيرة حياته، وقد أفتى العلماء بأنّ من سبّ الله ورسوله والدين والعياذ بالله، فإنه يُطلب منه التوبة، فإذا تاب ورجع عُفي عنه، كما بيّن ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وغيره، ولا داعي للتشدّد، والإسلام دين تسامح وعفو.