كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
إذا كان البعض منا ينسى، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لا ينسى. فقد أعاد سموه قبل أيام نشر تغريدة كان قد كتبها قبل عامين على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قائلاً: «تغريدة نشرتها قبل عامين.. أحببت تذكير الأخوة المسؤولين بها.. موعدنا بعد شهر لاستعراض نتائج عملهم». وكانت التغريدة التي نشرها سموه قبل عامين تقول: «أعطينا مهلة سنتين للجهات الحكومية لتنفيذ مشروع الحكومة الذكية، ووعدنا المسؤولين الذين لا يحققون الهدف أن نقيم لهم حفل وداع بنهاية هذه المدة».
بعد أقل من شهر، عندما تنتهي الفترة التي حددها سموه لتنفيذ مشروع «الحكومة الذكية»، تكون دولة الإمارات قد قطعت شوطاً طويلاً، وانتقلت من مرحلة المعاملات الورقية إلى مرحلة استخدام الهواتف المحمولة، بهدف توفير كل الخدمات الحكومية، وتسهيل وصولها للمتعاملين، في أي مكان وكل زمان، وذلك خلال فترة زمنية هي الأقصر، بكل المقاييس، في تاريخ الشعوب وانتقالها من مرحلة إلى مرحلة، محققة خلال أربعة عقود تقريباً، ما لم تحققه دول وبلدان كثيرة خلال قرن أو أكثر من الزمان، لتصبح الحكومة الذكية مرحلة لا تمثل خط النهاية، وإنما محطة على طريق الانطلاق نحو الأفضل، تجاه المستقبل الذي يحمل كل يوم جديداً، ويفصح كل يوم عن جديد، ويبدأ عندنا اليوم وليس غداً، على خلاف ما هو متعارف عليه لدى غيرنا.
عندما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عام 2001 عن إطلاق «الحكومة الإلكترونية» تساءل البعض عن معنى هذا المصطلح. وعندما قيل له إن معناه استخدام الإنترنت في تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين، ضحك وهز رأسه مستغرباً، واستبعد أن يستطيع تخليص معاملة حكومية أو تسديد فاتورة دون الذهاب إلى مقر الجهة التي تقدم له الخدمة، لكن تجربة السنوات التي تلت إطلاق «الحكومة الإلكترونية» أثبتت أن هذا ممكن، بل ممكن جداً، فانقطعت زيارات كثير من المتعاملين لكثير من الوزارات والدوائر والبنوك والشركات لإنجاز المعاملات ودفع الفواتير، بعد أن أصبحوا ينجزون معاملاتهم ويدفعون فواتيرهم عبر أجهزة الحاسوب، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى مقرات هذه الوزارات والدوائر والبنوك والشركات.
واليوم، وبعد أن غدت دولة الإمارات تحتل مراكز متقدمة في تقديم الخدمات عبر الإنترنت للمتعاملين على مستوى العالم، أصبح هدفها أن تتقدم خطوة أخرى، من خلال تقديم حلول إبداعية مبتكرة في مجال تطبيقات الهواتف المحمولة والرسائل النصية، بما يضمن توفير الخدمات الحكومية على مدار الساعة، بإجراءات سهلة ومبسطة، وكفاءة عالية، وشفافية تلبي احتياجات وتوقعات المتعاملين، وتشعرهم في الوقت ذاته بأهمية التواصل معهم في أي مكان وزمان، بما ينسجم مع توجهات الحكومة في تطوير خدماتها، وتحقيق السعادة لشعبها، وبما يضمن جودة عالية لمواطني دولة الإمارات والمقيمين على أرضها.
هذه المبادرة، كما جاء في الإعلان عنها قبل عامين، هدفها نقل الخدمات، واستقبال المعاملات الحكومية إلى كل جهاز محمول في يد أي متعامل، بما يمكنه من تقديم طلبه للحكومة من هاتفه، حيثما كان ودون أي انتظار، فالحكومة الناجحة هي التي توصل خدماتها للناس ولا تنتظر أن يأتوا هم إليها، مستفيدين من الانتشار الكبير للهواتف المحمولة والأجهزة الذكية.
حيث تُعتبر دولة الإمارات واحدة من بين أعلى أسواق العالم في نسبة انتشار الهواتف المتحركة.
وهي مبادرة تدل على إرادة شعب طموح وقيادة مستنيرة، سخّرت ثروة الوطن لخدمة أبنائه، وواكبت العصر وتطوراته ومخترعاته الحديثة، لتُقدِّم أفضل الخدمات لمواطنيها والمقيمين على أرضها، في وقت وقفت فيه شعوب كثيرة على محطات الانتظار، وتوقفت فيه قيادات كثيرة عند محطة الأيديولوجيا، وتمسكت بنظريات عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لحكم الأوطان والشعوب، وسخرت ثروات أوطانها لخدمة طموحاتها الشخصية ومصالحها الخاصة، فدمرت أوطانها بعد أن ثارت عليها شعوبها، لتدخل متاهات أصبح الخروج منها صعباً، وأصبح الرجوع عنها إلى نقطة البداية أكثر صعوبة.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يريد حكومة المستقبل حكومة لا تنام، تعمل 24 ساعة في اليوم، و365 يوماً في السنة، مضيافة كالفنادق، سريعة في معاملاتها، قوية في إجراءاتها، مبدعة، تستجيب بسرعة للمتغيرات، وتبتكر حلولاً لكل التحديات، تسهل حياة الناس، وتحقق لهم السعادة. هذا هو التحدي الذي سيجد المسؤولون أنفسهم أمامه بعد أقل من شهر، لأن هدف الحكومة هو إسعاد مواطني الإمارات، و«سعادة مواطنينا لن تكتمل إذا نقصهم شيء، وعليه لابد من إتمام بعض الخطوات حتى نُسعد الناس بها ونمكّنهم من جميع الخدمات». هكذا يقول سموه.
سنتان كانت المهلة التي حددها سموه للوصول إلى الحكومة الذكية، والسنتان ربما بدتا للبعض مهلة قصيرة، لكنها في نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أطول مما يحتمله طموح سموه وصبره، ورغبته في الوصول إلى الأفضل وتحقيق المراكز الأولى. ومع ذلك كان سموه كريماً كعادته مع المسؤولين الذين سيجدون أنفسهم بعد أقل من شهر أمام نتائج امتحان لا يحتمل إلا النجاح أو الرسوب، أعد له البعض نفسه إعداداً جيداً، وثابر وعمل لتحقيق نتائج عالية فيه، ونسيه البعض الآخر حتى وجد نفسه أمام تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التي جاءت لتقرع الجرس مذكرة بقرب الوصول إلى المحطة الأخيرة.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-04-27-1.2361894