عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
كلمة (سنة) لا تأتي إلا في الشدة والجدب، بدليل قوله تعالي «وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ»، وتقول العرب (أصابتنا سنة) أي شدة وجدب، وسياسيا يمكن أن نُطلق على 2013م سنة سياسية مُجدبة وقلقة بسبب جسامة الأحداث التى وقعت فيها، وكان أبرزها استمرار نزيف الدماء في سوريا وسط قرار دولي ليس فقط بالاكتفاء بالتفرج، بل بمنع أي ارادة أخرى بحسم الأزمة عسكريا قبل أن تقضي على ما تبقى من بشر وحجر في سوريا. ومن جهة أخرى، مثلت الأزمة المصرية حدثا غير سعيد في سنة 2013، ولعل الأسوأ فيها أن أثرت بشكل مباشر على العلاقات الخليجية التركية، فاتجهت هذه العلاقات من العلاقات الودية إلى اهتزاز جسور الثقة والتي تم بناؤها طول عقد.
في العراق، استمرت الأحداث الدامية حاصدة أرواح مئات الأبرياء وسط استمرار السياسة الطائفية من رئيس وزراء لم يقدم للشعب العراقي إلا الخطابات التهديدية والفشل في كسب ثقة الجيران جميعا باستثناء إيران المتحكمة في القرار العراقي حتى اشعار آخر، في اليمن استمرت الأوضاع في التوتر وسط صراعات في الشمال وبوادر انقسام في الجنوب، وتزايد حالات الاعتداء على الدبلوماسيين، حيث شهدت سنة 2013 محاولة خطف العديد منهم ومقتل بعضهم ومنهم دبلوماسي إيراني واستمرار خطف دبلوماسي سعودي، ووصل الأمر الى اغلاق الأمم المتحدة مكاتبها خوفا على مصير موظفيها .
من وجهة نظر سعودية، فأسوأ أحداث سنة 2013 هو الاتفاق الأمريكي الروسي على إطالة أمد الحرب في سوريا، ثم الاتفاق المفاجئ بين إيران والغرب على الملف النووي وملفات اخرى ولكلا الحدثين صفة تاريخية، وستكون لهما تأثيرات تتخطى حدود إيران إلى المنطقة كلها، وفي هذه العجالة، ورغم أن أي متابع جيد لم يتفاجأ بالتوصل إلى الاتفاق النووي فسياسة (الذهاب إلى طهران) بدأت منذ وصول أوباما واقترب هذا السيناريو بعد فوز الاصلاحيين ثم اتصال الرئيس أوباما بالرئيس روحاني.
من جهة أخرى، فان ما حصل في جنيف يمثل نهاية لمرحلة القلق الفعلي للسعودية بحصول التقارب الدراكاتيكي بين طهران وواشنطن. وسط عدم وجود بوادر لتحسن العلاقات السعودية الايرانية لسبب واضح وهو استمرار إيران بتكريس الانقسام الطائفي في الإقليم، ورفضها لتعديل سياساتها لصالح التعاون على المصالح المشتركة والاعتراف بمصالح الطرف الآخر واهتماماته وقضاياه، ورفضها مبدأ الحوار والتفاهم إلا وفق مفاهيم وتعريفات وأسس تضعها وفق مصالحها، وهذا لن يؤدى إلى بناء جسور ثقه اطلاقا.
البعض يرى أن سنة 2013 شهدت بداية تحول جديد في السياسة الدولية لغير صالح القطب الواحد (أميركا)، وإلى دخول حقيقي للقوى الشريكة في النفوذ الدولي، بعدما مُني النفوذ الأميركي بسلسلة من التراجعات الاقتصادية والهزائم في أفغانستان والعراق وعدم وضوح السياسات في سوريا ومصر وحتى لبنان.. ولعل عهد تراجع السياسة الأميركية في المنطقة، لم ينعكس على سياسة واشنطن وحدها، بل على حلفائها.
من المتوقع أن يشهد (العام) 2014م التالي:
محاولات روسية لاستغلال فراغ القوة وملئه قدر المستطاع في الشرق الأوسط وسط إرصاهات لتقارب روسي سعودي.
تحولات جديدة في الجغرافيا السياسية في المنطقة وسط استمرار غموض مستقبل سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وصعوبة الوضع في مصر.
زيادة الدور والتأثير الإيراني في العراق ولبنان وسوريا وأفغانستان وربما في اليمن
تحسن العلاقات الإيرانية التركية على حساب العلاقات مع السعودية والإمارات.
وربما تقارب براغماتي بين اسرائيل وايران، وإن حصل فسيكون أحد أهم التحولات الاقليمية التي سيشهدها العام الجديد، وسيجر معه تحولات فرعية في المنطقة..والله عز وجل أعلم.
المصدر: اليوم السعودية