كاتب وإعلامي سعودي
إن الأعداء -بلا شك- متربصون ببلادنا من كل جهة، سواءً على المستوى الإقليمي أم الدولي، فدولنا الخليجية، وعلى رأسها المملكة، تعيش استقراراً سياسياً، وحركة تنموية مستمرة؛ فالإنسان وتطويره تنميته هو عمادها، والشواهد على ذلك كثيرة، ولعل من أوضحها ما يُخصص للتعليم من نسبة كبيرة موازنات ضخمة في هذه الدول.
نحن نعيش نهضة حقيقية، تزامن ذلك مع أمن مستتب في عالم عربي غارق في الفوضى منذ بدء «الربيع العربي»، والذي استبشرت به الشعوب العربية، ولكن النتيجة هي دمار وفوضى وقتل للإنسان على أيدي تنظيمات تدَّعي الإسلام.
وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن هذا «الربيع العربي» هو تجسيد لمشروع بشر به الغرب لمشروع شرق أوسط جديد، إذ بدأت تظهر أشكاله البشعة بتفكيك الدول العربية على أساس دويلات إثنية ودينية ومذهبية، وهذا المشروع أدخل دول المنطقة في حروب طوائف يلعب الدين والمذهب الأداة الرئيسة فيها.
الشرق منطقة عاشت التعايش بين الأديان منذ آلاف السنين، مقارنة بما حدث في أوروبا من حروب دينية وقومية فضيعة، ولكن منذ نهاية الحقبة الاستعمارية المباشرة من القوى العظمى وظهور الدولة العربية الوطنية التي لها إخفاقات كثيرة، ولاسيما في تأسيس دولة المواطنة الحقة؛ جعل الباب موارباً للتدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة، وتلك القوى الدولية تستخدم كل الأسلحة للقضاء على هذا المشروع العربي الناهض، وقد يكون أخطرها باعتقادي هو شيطنة الدين والأديان والنعرات القومية، إلى درجة وصلت إلى حال من الشوفينية الفكرية، وهذا الاختيار لم يكن مصادفة؛ لأن الشرق مكون من فسيفساء دينية يمكن استغلالها بشكل تدميري ضد شعوب المنطقة.
ما حدث من تفجير بشع وإجرامي في بلدة القديح بالمنطقة الشرقية، يأتي ضمن هذا المشروع المستهدف أولاً لوحدتنا الوطنية؛ فقد حاولت هذه التنظيمات الإرهابية منذ عام 1995، بتفجيراتها لمجمع في الرياض إلى يومنا هذا، جر المجتمع إلى حال من فقدان الثقة بالنفس وتأزيم الوضع الداخلي، ولكنها فشلت في كل مرة، وكلنا يتذكر ادعاءات تنظيم القاعدة بأن ما دفعه إلى أعماله الإرهابية ضد المملكة؛ كان بسبب وجود القوات «الكافرة» كما يدَّعون في أرض الجزيرة العربية، ولكن عندما خرجت تلك القوات منها استمر التنظيم بعملياته الإرهابية، وبادعاءات أخرى واستهدف المدنيين من مسلمين وغير مسلمين. تنظيم داعش الإرهابي لا يختلف عن تنظيم القاعدة في ادعاءاته الكاذبة في تبرير أعماله القذرة الموجهة إلى المملكة. إنني -على رغم عدم ميلي إلى تبني نظرية المؤامرة- أؤمن بأن داعش وما يقوم به من تفجيرات وقتل لا يشك عاقل أن هناك جهات تقف وراءها ويستفيد منها، وقد تكون بالغرب أو الشرق، فهذا الداعشي نبت في العراق بعد الفوضى الخلاقة التي خلقها الاحتلال الأميركي للعراق، وجعل العراق أرضية خصبة للتناحرات المذهبية والقومية هناك، والتي بدأت بالتمدد إلى دول الجوار.
في مجتمعنا هناك من اندفع وانخدع بشعارات داعش وأخواتها، وعلينا التصدي لهم على الصعد كافة، ولاسيما من الجهات الرسمية، والآليات كثيرة ومطبقة في دولٍ من العالم، فهذا التنظيم له هدف واحد وجلي، وهو خلق الفتنة بين أطياف المجتمع؛ إذ لا يفرق بين مذهب وآخر، فهو يضرب بالرياض تارة وبالقطيف تارة أخرى، والهدف إثارة الفوضى وتقويض السلم الاجتماعي وهذا مكمن الخطورة.
رحم الله شهداء الوطن في قرية القديح وفي الرياض، وختاماً نشكر وزارة الداخلية التي أعلنت بكل شفافية ووضوح من قاموا بتلك الجريمة الإرهابية ومَنْ قتل الجندي ماجد الغامدي بالرياض.
المصدر: الحياة