عزيزي القارئ، بعد أن قرأت العنوان سأترك لك حُريّة تفسيره، ولكن لاحظ بأن الثروة المقصودة في المقولة هي التي تدفعُ النّاس للجنون بسبب وصولهم إلى مرحلة لا يعرف فيها الشخص ما عليه أن يفعل في حياته. وإن كنت وصلت لذلك النوع من الثروة، احرص على أن تتبع ما فعله بيل جيتس الذي يعمل على إيصال الطاقة المستدامة للطبقات الفقيرة في العالم. أو رُبما عليك أن تفعل ما يفعله بالتعاون مع وارن بوفيت لتخليص العالم من الفقر بحلول العام 2025. ولاحظ هُنا أيضًا أن بيل جيتس لن يترك لأبنائه أكثر من 10 ملايين دولار لكلٍّ فرد منهم بينما يتبرع وارن في وصيته ب 99% من ثروته لمؤسساتٍ خيرية ويبقي 1% فقط لابنته الوحيدة، لماذا؟
هل يمكن للأشخاص جمع المال إن كانوا يبيعون للأغنياء فقط؟ ربما. هل يمكنهم أن يكونوا ضمن أغنى أغنياء العالم إذا قاموا بذلك؟ لا أعتقد. على سبيل المثال: قام بيل جيتس ببيع منتج رئيسي لملايين الأشخاص في العالم ولا زال معتمدًا في ذلك على إنتاج كميات كبيرة من منتج واحد ثم بيع ذلك المنتج لأعدادٍ كبيرة من المستهلكين. المعادلة ليست صعبة؛ كل ما عليك فعله هو أن تحرص على أن يتم تصنيع منتجك من قبل الفقراء لخفض تكلفة الإنتاج ثم تقوم ببيع ذات المنتج لهم ولغيرهم، فهم يشكلون الغالبية من شعوب العالم. إذا قُمتَ بالاطلاع على لائحة أغنى أغنياء العالم، ستجد بينهم على الأقل ثلاثة أشخاص من أصولٍ هندية بينما يحتل المركز الأول مكسيكي من أصولٍ عربية وقد جمعَ ثروته من توفير خدمات كابل التلفزيون لأعدادٍ هائلة من شعوب أمريكا الجنوبية.
في الهند، تقوم يونيليفر بتصنيع عبواتٍ صغيرة من شامبو الشعر التي تحتوي على كمية كافية للاستخدام مرة واحدة فقط. وبعيداً عن الجانب الأخلاقي في الموضوع، السجائر هناك تُباع سيجارةً سيجارة لمن لا يستطيع شراء علبةٍ كاملة وذلك حرصاً من شركات التبغ على أن يستطيع الجميع التدخين متى ما رغبوا بذلك. هوامش الربح في مثل هذه الأسواق ضئيلة ولا يُمكن مُقارنتها بهوامش الربح في السلع الغالية التي تباع عادةً للأغنياء، ولكن جني المليارات لا يأتي إلا بالبيع لملايين الأشخاص. أصبحت مراكز الاتصال الآن حكراً على دولٍ مثل الهند لتقليل التكاليف بسبب قلة ما يُدفع للفرد في ساعة عملٍ واحدة بالإضافة إلى إمكانية تطوير الأنظمة والبرامج بتكلفة أقل بكثير عن غيرها من الدول. أيضًا، يتم تصنيع الكثير من المُنتجات في البرازيل، الهند، والصين، وغيرها من الدول ذات الكثافة السكانية العالية ليتم بيع المُنتجات المُصنعة في ذات الدول إلى جانب بقية دول العالم. وعن جهاز الآيفون، تذكر شركة آبل بأن الهاتف الذكي تم تصميمه في كاليفورنيا وتصنيعه في الصين.
نعيشُ في عالمٍ مُضحك؛ يُستغلُّ الفقراء لتصنيع المنتجات بتكلفةٍ أقل ومن ثم يتم بيع مُعظمها عليهم بغرض خفض التكاليف من جهة ولزيادة هامش الربح من جهةٍ أُخرى. ويتم استغلالهم بشكلٍ أكبر حين يتم بيع ما يصنعونه من مُنتجاتٍ غالية الثمن دون أي زيادةٍ في ما يُدفع نظير ساعة عملٍ واحدة للفرد.
عزيزي القارئ:
أريد منك في الختام أن تفكر في الأسئلة التالية:
أليس من المنطقي أن يقوم أحدهم بشراء شركة مُتخصصة في صنع السُّكاكر لأنه على يقين بأنه يمكنه بيع هذه السكاكر للجميع حتى في أوقات الأزمة؟ كيف استطاعت شركة تاتا أن تصل إلى ما جعلها قادرة على شراء شركة رينج روڤر لتصبح بعد ذلك أكثر شركة تقوم بخلق الوظائف في القطاع الخاص بالمملكة المتحدة؟ لماذا ينظرُ الأوروبيون إلى الصين على أنها فارسٌ على حصانٍ أبيض سيقوم بانتشالهم من مشاكلهم المالية باستثمار المليارات في الدول التي تعاني نقصًا في السيولة المالية إلى جانب الإنفاق الضخم للسائحين الصينيين حيث تعدى الرقم 100 مليار دولار في عام 2012؟
وأخيرًا، هل كانت ستزدهر اقتصاداتكم من دوننا؟
مع خالص حُبِّنا،
الفُقراء.
خاص لـ “الهتلان بوست”