كاتب و باحث سعودي
قبل أسبوعين نشرت «الحياة» خبراً بعنوان: «وزارة التربية تحظر تنسيق المدارس مع المحاضرين لحماية الطلاب فكرياً»، كان مفاده أن الإدارات التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم في السعودية، وفي خطوة تهدف لحماية الطلاب من أية أطروحات فكرية متطرفة أو متشددة، حظرت على المدارس التنسيق مع أية داعية لإقامة محاضرات للطلاب والطالبات خلال اليوم الدراسي، وأن إدارة التوعية الإسلامية في الإدارة التعليمية هي الجهة المخوّلة في عملية التنسيق بين المحاضر والمدرسة، وهي المعنية بتحديد آلية الموضوع وإدارة المحاضرة وتوقيتها… إلخ.
كان من المثير للاستغراب أيضاً أنه وبعد أسبوع من نشر ذلك الخبر، نشرت إحدى الصحف المحلية عن احتفاء وتكريم إدارة تعليمية لأحد أبرز الدعاة، إثارة للجدل حول مواقفه وآرائه إن لم يكن هو أبرزهم نشاطاً على الساحة الإعلامية، وتفاعلاً في «تويتر»، وذلك نظير مشاركته بجولة في إلقاء عدد من المحاضرات واختتام جولته بمحاضرة لمنسوبي تلك الإدارة التعليمية. وعلى كل حال، لم تكن هذه الخطوة من وزارة التربية هي الأولى من نوعها، فقد تكرر التوجيه منذ أعوام عدة بخصوص ذلك، تارة عبر إلزام المدارس بالحصول على موافقة رسمية مسبقة قبل إقامة أية محاضرة، وتارة بتحديد المسموح لهم بإلقاء المحاضرات في المدارس من دون تصريح، وهم أعضاء هيئة كبار العلماء، وأن ما عداهم من الدعاة يجب عليهم أولاً الحصول على إذن رسمي من الجهات ذات العلاقة، كل تلك الخطوات والإجراءات والتحفظات الهدف والغرض منها حماية الطالب من التأثر بأية أطروحات متطرفة أو آراء متشددة قد يتم طرحها أو تمريرها من بعض الدعاة في عقول الناشئة، وهو هدف مهم ومتعين على الوزارة الاهتمام والعناية به.
لكن هل فكرت وزارة التربية وتساءلت في أثناء سعيها الحثيث في إيجاد الآليات المناسبة، لتجنب الوقوع في المحذور أو مما قد تخشاه من بعض تلك الفعاليات عن أهمية أو مدى الحاجة الملحة إليها في البيئة المدرسية؟ وما مدى إمكان استبدالها بما هو أهم للطالب؟ لا أقول ذلك مصادرة لحق أولئك الدعاة أو المحاضرين الذين يسهمون في تلك الفعاليات أو تضييقاً على تلك المناشط، كما قد يسيء فهمه البعض، لكن انطلاقاً من كون النظام التعليمي لدينا يعنى في أساسه بالتركيز على العلوم الدينية والشرعية على حساب العلوم الأخرى، وكما ذكر الدكتور أحمد العيسى في كتابه إصلاح التعليم، فإن عدد الحصص الدراسية التي يقضيها الطالب في دراسة المواد الدينية على مدى 12 عاماً دراسياً، تعادل 3488 حصة للذين يختارون قسم العلوم الشرعية في العامين الأخيرين بالمرحلة الثانوية، و2976 حصة دراسية للطلبة الذين يختارون العلوم الطبيعية، بينما لا تدرس مادة الرياضيات على سبيل المثال إلا في 1408 حصص لطلبة العلوم الشرعية، و1792 حصة لطلبة العلوم الطبيعية، وقد تزيد أو تنقص قليلاً تلك الأرقام وفقاً للتعديل على الخطط الدراسية. كذلك سبق أن أعد مركز دراسي بعنوان «كيف تنجح في إصلاح التعليم»، تم التركيز فيه على السعودية ودول الخليج كدراسة حالة، وأظهرت الدراسة أن نسبة المواد الدينية في التعليم الابتدائي في السعودية بلغت 31 في المئة، تليها عمان بـ20 في المئة، فالإمارات والكويت بـ13 في المئة، أما العلوم الطبيعية والرياضيات، فنالت 20 في المئة في السعودية ثم 22 في المئة في الكويت و25 في المئة في الإمارات و26 في المئة في عمان.
وإذا قارنا هذه النسبة مع الأردن الذي يعتبر نظامها التعليمي ناجحاً نسبياً، بحسب الدراسة، نجد أن نسبة المواد الدينية نالت 10 في المئة في مقابل 36 في المئة للرياضيات والعلوم، وبدأت عمان والإمارات في تغيير تدريجي لنظام تعليمي جديد بدلاً من القديم. فمن حيث نسبة المواد سيكون نصيب الرياضيات والعلوم 35 في المئة لعمان و29 في المئة للإمارات في مقابل 12 في المئة و9 في المئة للمواد الدينية على التوالي للبلدين. وبالنظر أيضاً إلى المناهج الدينية لدينا، وفضلاً عن أنها اهتمت واعتنت بتناول القضايا الجوهرية والثوابت الشرعية والوطنية، فإنها لم تترك تفاصيل العديد من القضايا في الدروس التي احتوتها، إلا تناولته حتى مما قد يتم تناوله في تلك المحاضرات بصورة موسعة في بعضها، تناولت واجب المجتمع والفرد في الأمر بالمعروف والعفة والشهوات والمغريات وسبل الوقاية منها والمحاسبة والتوبة وخطورة الذنوب والمعاصي وخطر وحكم التدخين وتحريم الاستماع للغناء وآلات اللهو والطرب وخطورة التغريب وشخصية الشاب المسلم وما يتعرض له من هجمة من منابر ثقافية وإعلامية في ترويج الأفكار المنحرفة والمذاهب الباطلة والأفلام الماجنة ومفهوم الإعلام الإسلامي… إلخ. أليس من حقنا أن نتساءل بعد كل تلك الدروس التي يتلقاها الطالب، وبعد ذلك الكم من الحصص الدراسية، عن مدى أهمية وضرورة تفعيل تلك المناشط والمحاضرات في أثناء اليوم الدراسي؟ أليس من الأولى الاهتمام بتفعيل المزيد من البرامج والمناشط التثقيفية للطالب بعدد من القضايا ذات الأهمية في وقتنا، وهي ليست بالقليلة، ولكن هذه البرامج إذا كانت مجرد تعاميم ومطويات وملقياً ومتلقياً في صورة تقليدية مملة، ولم يتم تفعيلها وعرضها في شكل مشوق ومرغب بأساليب حديثة، تتميز بالإبداع، وتواكب عقلية الطالب المعاصرة، وعبر شخصيات هي محط الاهتمام والإعجاب من شريحة كبرى منهم، فإننا بكل صراحة لن نجني الفائدة المرجوة منها.
المصدر: الحياة