كاتبة سعودية مقيمة في دبي
لا شك في أن التصريح الذي أطلقه وزير الشؤون الاجتماعية حول عدم وجود ما يمنع تولي امرأة منصب وزيرة للشؤون الاجتماعية لا يعتبر قفزة في التفكير الإداري لمهمات إدارة الشؤون الاجتماعية، بل من بديهياته الغائبة عن التفكير الاجتماعي، ولهذا قال: «أتمنى لو تأخذ مكاني امرأة»، فمهمات هذه الوزارة هي أقرب المهمات للمرأة وإمكاناتها على الأقل بحسب ما يتعارف عليه المجتمع التقليدي المحافظ، فيما تجاوزت المجتمعات الأخرى هذا المفهوم فوصلت فيها إلى منصب رئيسة وزراء ورئيس دولة وقاضية وعالمة فضاء.
وزارات الشؤون الاجتماعية في العالم كله من أبرز مهماتها رعاية الفقراء، وثلثاهم غالباً من النساء الأرامل والمطلقات والمهجورات، كما ترعى مؤسسات الطفولة التي تُعنى بالمعوقين وذوي الحاجات الخاصة واللقطاء واليتامى، وتشرف أيضاً على جمعيات خيرية نسائية المستفيد الأكبر منها المرأة والطفل، فهل يتناقض هذا مع قدرة المرأة على العمل الاجتماعي الذي تخصص فيه عدد كبير من النساء السعوديات المؤهلات منذ أكثر من نصف قرن؟
ما الذي يمنع من أن تدخل أول وزيرة امرأة من بوابة العمل الاجتماعي فتصبح وزيرة للشؤون الاجتماعية طالما أنها دخلت التشكيل الحكومي عبر منصب نائب وزير في وزارة التربية والتعليم، وعبر أمانة مدينة جدة، وعبر الغرف التجارية، وقريباً عضوية مجلس الشورى؟
المرأة اليوم لم تعد تواجه نقصاً في كفاءتها إلا في ما تسبب به عزلها عن المشاركة في الحياة العامة، فالمرأة تتعلم العلوم الحديثة حتى وإن لم تتوفّر في السعودية، فإنها تحصل عليها من جامعات في الخارج، وحين تعود لبلادها تصبح المشكلة الأبرز هي أين تعمل بهذه الشهادة في مجال عام محكوم عليه أن يكون عنصر الكفاءة الأول فيه الذكورة.
قابلت شابة سعودية تحمل ماجستير هندسة كيميائية، وأخبرتني أنها عملت في شركة بترول سعودية، وحين وجدت أن عملها مكتبي طالبت الشركة بالعمل في الحقل كي تكتسب الخبرة والممارسة، فلم تجد الشركة حلاً لهذا الطلب الصعب سوى أن تبعثها إلى اليابان لمدة عامين، لأن المرأة لا تعمل ميدانياً في هذه الشركة. قالت لي إنها بكل بساطة وجدت حجاباً يتماشى مع بدلة العمل الميداني مضاداً للحريق اشترته عن طريق أحد المواقع الإلكترونية كي تلبسه في حقل اليابان، وبما أن اليابان ليست قريبة، وبما أن علوم النساء في بلادنا ليست كلها في حقول البترول، فإنه من الأسهل علينا أن نوجد لهن مجالاً حياً في بلادنا يكسبهن التجربة والخبرة المطلوبة لتوافر الكفاءة، وكي تفيد المرأة وطنها الذي كلفه تعليمها وتثقيفها ميزانية ضخمة.
اليوم لدينا نائبة وزير، ولدينا مديرة جامعة، وهما أعلى منصبين تقلدتهما امرأتان في السعودية، ولا يزال قطاع مجتمعي يحوي 9 ملايين أنثى سعودية يعد بالكفاءات المتزايدة ويحلم بالكثير.
أنا متأكدة أن وزير الشؤون الاجتماعية قد قابل في عمله من النساء أكثر مما قابل من الرجال، وعرف أن شؤون وزارة الشؤون الاجتماعية لصيقة بالمرأة والأسرة والطفل، وليس أسهل من أن تتواصل معهم وزيرة لا وزير.
ورغم أن الكفاءة لا تقاس بحسب جنس الإنسان رجلاً كان أو امرأة، إلا أن هذا المنطق هو الأدعى أن يكون داعماً لأن تتولى المرأة وزارة الشؤون الاجتماعية، ومثلما وجدت المهندسة الكيميائية حجاباً يناسب عملها في حقل استخراج البترول في اليابان، فإن المرأة السعودية ستجد بطريقة أكثر يسراً حجاباً يناسبها لحضور جلسة مجلس الوزراء.