محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

وطأة الإصرار على «شيطنة الإسلام»

آراء

تبدو جريمة قتل صحافيي مجلة «تشارلي إيبدو» نوعاً من «11 سبتمبر فرنسي». ومع فوارق المقارنة والتفاصيل مع 11 سبتمبر، فإن مشهد الجريمة تشكل على هذا النحو: مسلمون متطرفون يقتلون صحافيين ورسامين فرنسيين ورهائن في متجر يهودي «انتقاماً» للنبي الكريم.. يقدمون على سلوكيات تنم عن هوس سايكوباثي كإجبار امرأة فرنسية على تلاوة القرآن وهم بصدد إزهاق أرواح زملائها..

يقتلون شرطياً جريحاً بدم بارد.. يتم التعرف عليهم فوراً لأنهم نسوا أو أضاعوا بطاقاتهم الشخصية ورايات لدولة الخلافة في مسرح الجريمة.. يهتفون بعد إتمام جريمتهم أنهم انتقموا للنبي.. يفرون ويلاحقون ويقتلون في معركة لاحقة مع الشرطة.

التفاصيل الباعثة على التشويش موجودة أيضا: شهادة صحافية من مجلة «تشارلي ايبدو» تقول إن «المهاجم كان ذا عيون زرقاء جميلة»، وهو ما يذكرنا بتصريح مقتضب لوالد الانتحاري المصري محمد عطا الذي قال مرة إن ابنه اتصل به بعد الهجوم على برجي مركز التجارة. وملاحظة البعض ان رأس الشرطي القتيل في مجزرة «تشارلي ايبدو» لم ينزف دماً جراء إصابته برصاصة من مسافة قريبة جداً.

النتائج تكاد تكون واحدة: الأمة الفرنسية تتوحد في مواجهة هذه الجريمة الاستثنائية، مثلما توحدت الأمة الأميركية في 11 سبتمبر وسط تضامن عالمي.. القتلة يموتون مثلما مات انتحاريو 11 سبتمبر مع ضحاياهم في الطائرات..

أما بطاقات الهوية والرموز الدالة على الهوية مثل رايات «داعش» في مسرح الجريمة، فهي تذكرنا بالقرآن وصورة بن لادن ودليل قيادة الطائرات التي قيل إنها وجدت جميعها في سيارة استأجرها بعض انتحاريي 11 سبتمبر. ردود الفعل الأوروبية تتوحد لمزيد من الإجراءات المتشددة حيال الإرهاب وتشديد قوانين الهجرة تماماً مثلما جرى في الولايات المتحدة وأوروبا نفسها بعد 11 سبتمبر.

أفكر هنا بصوت مسموع متسائلاً: لماذا يبدو الانتحاريون والمتطرفون المسلمون وحدهم من بين كل القتلة في العالم، أغبياء الى هذا الحد بحيث يتركون وراءهم أدلة اكثر من كافية لكي يستدل عليهم؟ في 11 سبتمبر: صورة بن لادن، قرآن ودليل قيادة طائرات باللغة العربية (لم نكن نعلم أن الدليل متوفر بالعربية) تركت في سيارة استأجرها بعض الانتحاريين.

وفي مجزرة «تشارلي ايبدو»، بطاقات الهوية وأعلام «داعش». لكن يمكن المحاججة هنا بأن لهذا التفصيل المتعلق بالهويات قيمة عملية هامة.

ففيما يشير منطق العمل الأمني بأن يتم التكتم على هوية الجناة حتى بعد التعرف عليهم لإبقائهم تحت شعور زائف بالاطمئنان تمهيدا للقبض عليهم، فإن إعلان هوية المشتبهين فور وقوع الجريمة لن يترك سوى احتمال واقعي وحيد يدفعهم للتصرف بهستيريا والهرب، إما لأنهم لم يقوموا بالجريمة أو لأنهم سيخوضون معركة بقاء إذا كانوا هم الجناة فعلاً.

هنا يبدو إعلان الهوية مثل مبرر مسبق كافٍ لتبرير مقتلهم اللاحق في معركة مع الشرطة.

أعيد التأكيد أنني أفكر بصوت مسموع: حتماً هناك متطرفون وهناك تنظيمات وتجنيد وتمويل، وهناك تاريخ يفيض مرارة وحاضر يبعث على اليأس، لكن هناك اختزال شديد للإسلام وتنميط مخل للغاية لم يتعرض له أي دين آخر. المفارقة أن جزءاً غير قليل من مسؤولية هذا الاختزال وهذا التنميط يقوم به هؤلاء ويخدمون به أعداءهم «المفترضين».

لننشط ذاكرتنا قليلاً مع واقعة ذات دلالات بليغة هي فضيحة التعذيب في سجن «أبوغريب» بالعراق. فلقد تفجرت الفضيحة في بداية شهر مايو 2004، لكن في 8 مايو يطل أسامة بن لادن ليعلن عن مكافآت بالذهب والفضة لمن يقتل قائمة من الأسماء من عرب وأجانب.

وفي 12 مايو، ينتشر ذلك الشريط المقزز لمشهد ذبح الرهينة الأميركي نيكولاس بيرغ على يد من قيل إنه الزرقاوي (ظهر شخص ملثم في الشريط فلم يكن ممكناً التعرف عليه). يبدو الأمر في ظاهره انتقاماً من الإذلال المتعمد لسجناء «أبوغريب»، لكن المحصلة النهائية عززت التنميط المخل للجهاد وللإسلام نفسه: «ذبح همجي».

وفي سبتمبر آخر عام 2012، وفي سياق الانتقام نفسه، يفجر فيلم مسيء للنبي أنتج في أميركا موجة غضب لدينا ويقود الى هجوم على السفارة الأميركية في ليبيا وقتل السفير الأميركي فيها. سفير تم تقديمه على أنه ساعد الليبيين كثيرا ويحب البلاد وأهلها.

أما صيحة «هذه الأفعال لا تمت للإسلام»، التي تتردد على لسان الجميع فهي متأخرة جداً. فقد كان يتعين الوقوف بحزم وبأكثر أشكال العلانية وأقصى أشكال المواجهة في عام 1998 عندما ظهرت هذه الفتوى: «إن حكم قتل الأميركيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك.. الخ».

كان يتعين على المرجعيات الدينية دحض تلك الفتوى ونزع شرعيتها ورفع الغطاء عنها وأصحابها منذ ذلك الحين.

ذاكرتنا هي معضلتنا: بعد انهيار الاتحاد السوفييتي (1991)، أعلن الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز أن «الإسلام هو العدو الجديد للغرب بعد الشيوعية لأن به نفس الطابع الشمولي للشيوعية». كل ما جرى منذ صدور تلك الفتوى هو إصرار عز نظيره على تحقيق نبوءة بيريز وشيطنة الإسلام والمسلمين.

المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-01-21-1.2292565