رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
ما يفعله بعض الموردين في الأسواق حالياً أمر لا يصدق، أظهروا الوجه القبيح في استغلال الظروف والأزمات لمصلحة تحقيق الربح على حساب المستهلكين، وهم مدركون أن جميع المستهلكين لا يملكون في الوقت الراهن حولاً ولا قوة إلا الشراء وبأي سعر، خصوصاً بعد أن احتكر هؤلاء الموردون بعض البضائع الحيوية والضرورية، وبدأوا يتلاعبون بأسعارها كيف يشاؤون.
المستودع، الذي ضبطته دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، ينقل الصورة البشعة للجشعين من التجار، حيث قام ذلك المورد باستيراد آلاف الصناديق من الكمامات، وكدسها في مخزنه من دون أن يطرحهـا في الأسـواق، ولم يكتفِ بذلك بـل بــدأ، في وقت مبكر، شراء الكميات الأخرى الموجودة في السوق، بسعر 20 درهماً للكرتونة، وبعد أن ضمن أنه أصبح الوحيد الذي يملك هذه الكمية، وتأكد أن السوق تخلو من الكمامات، في حين أن الناس تطلبها وتريدها بأي شكل وطريقة، ضرب ضربته وأنزل الكمامات على دفعات، وبسعر يصل إلى 130 درهماً للكرتونة الواحدة، ما يعني أنه حقق ربحاً يصل إلى 400%.
العقاب كان الإغلاق، وهذا تصرف جيد من الدائرة، لكن كنا نتمنى أن يتم تغريمه بحجم كل المبالغ التي أخذها ظلماً من المستهلكين، ومضاعفة العقوبة بدمج الغرامة المالية والإغلاق معاً، فهو فعلاً يستحق ذلك.
قانون العقوبات الاتحادي مليء بالنصوص الرادعة، وهو كفيل بالتصدي للتجار المحتكرين للسلع، والذين يستغلون ظروف الأزمة الطارئة الراهنة، ويقومون برفع الأسعار، والعقوبة تصل إلى الغرامة خمسة ملايين درهم، وإغلاق المنشأة، لذا فالمطلوب الآن تكثيف حملات التفتيش، وتكثيف الرقابة التجارية على الأسواق والموردين، ومن ثم تفعيل القانون بشدة وصرامة، فإن كانت هذه القوانين والعقوبات أُقرت في ظل ظروف عادية، فالأجدر اليوم، ونحن في هذه الظروف الصعبة، تشديدها وتفعيل الحدود القصوى من العقوبات، للحد من هذه الممارسات غير الإنسانية وغير الشريفة.
ليس كل الموردين سيئين، وليسوا جميعهم استغلاليين، فهناك أسعار ارتفعت بشكل ملحوظ لأسباب وقف استيرادها من الدول الأم، بسبب العقبات والصعوبات التي تسبب فيها الفيروس، وأسباب أخرى لا علاقة للمورد المحلي بها، هؤلاء لا ذنب لهم، أما الذين يتعمدون استغلال هذه الظروف عن قصد، بغرض تحقيق أرباح مضاعفة، فهؤلاء أقل ما يقال عنهم إنهم مجرمون يستحقون العقاب، تماماً مثل مورد الكمامات الذي كشفته دائرة التنمية الاقتصادية في دبي.
وقت الشدائد تنكشف المعادن، وهذه الأزمة جعلتنا نشاهد نوعين من التجار: النوع الأول هم المبادرون والمخلصون والمحبون للوطن والشعب، الذين أطلقوا مبادرات إنسانية، وأسهموا بفاعلية في دعم الجهود الحكومية، وعملوا على التخفيف عن المستأجرين والناس، وهم كثر، ومتفاوتون في حجم إسهامهم، وحجم تجارتهم، لكنهم جميعاً أسهموا وتعاونوا بإخلاص لخدمة المجتمع في هذا الوقت الصعب.
وهناك الفئة الثانية وهم تجار وموردون استغلوا ظروف الأزمة أسوأ وأبشع استغلال، فرفعوا الأسعار على المستهلكين، وخزنوا البضائع والمواد الضرورية، واحتكروها، لا يملكون ضميراً، ولا يعرفون عن الإنسانية والشرف شيئاً، ولا التجارة أيضاً، فالتجارة شرف وثقة وأمانة وتضامن اجتماعي، ومسؤوليات مجتمعية، هي ليست أرقاماً مجردة من أي مشاعر وأخلاقيات.
المصدر: الإمارات اليوم