ولدت مجرة صغيرة بجوار مجرتنا عندما تصادمت مجرتان أصغر منها حجما. ويمكن لهذا الاكتشاف أن يزيد من معارفنا حول المادة المظلمة التي تملأ الكون.
يبدو أن مجرة صغيرة أو “قزمة” مجاورة لمجرتنا قد تشكّلت نتيجة اندماج مجرتين كانتا أصغر حجما من المجرة الجديدة. إنها أصغر مجرة “مركّبة” وجدت على الإطلاق.
وقد يشير هذا الاكتشاف إلى أن المجرات البدائية للكون لا بد وأنها كانت صغيرة نوعاً ما. والأكثر من ذلك، أن هذه المجرة الصغيرة المولودة حديثا توفر مفتاحا لحل لغز أعمق بشأن طبيعة المادة المظلمة في الكون، وهي مادة غير مرئية يبدو أنها تشكّل معظم الكون.
هناك كثير من الدلائل على أن المجرات الكبيرة تنمو عبر عمليات اندماج متكررة، والذي يجري عن طريق تصادم يضم مليارات من النجوم. ويندر وجود أدلة حول المجرات التي تقل نجومها عن مليار نجمة.
وتقول أيوا لوكاس، من مركز نيكولاس كوبرنيكوس الفلكي في وارسو، بولندا، بشأن هذه الأدلة :”يصعب رصدها لأن الأجرام ( في الفضاء) باهتة جداً.”
مجرة “أندروميدا 2”
ومع ذلك، ففي بداية عام 2014، استطاع فريق يقوده نيكولا أموريسكو، من جامعة كوبنهاغن بالدانمارك، أن يستخلص دلالات اندماج سابق في مجرة مجاورة. ويقرب عدد نجوم هذه المجرة من 10 ملايين نجمة.
تلك المجرة الصغيرة هي واحدة من بضع عشرات تدور في فلك أقرب المجرات الكبيرة لمجرتنا (درب التبّانة)، وهي مجرات “أندروميدا” (في الصورة أعلاه). وتعرف تلك المجرة الصغيرة باسم “أندروميدا 2″، وقد نالت اهتمام علماء الفلك ورصدوها منذ عام 2012.
وفي هذه الأثناء، لاحظ فريق آخر من هؤلاء العلماء أن نجوم تلك المجرة لم تتحرك بالشكل المعهود. يقول أموريسكو: “إنها تدور مثل سيجارة حول محورها الأطول. ذلك أمر غريب جداً.”
وما كان على أعضاء هذا الفريق إلا إعادة فحص مشاهدات وأرصاد سابقة. وقد وجدوا ما يشبه دفقاً من نجوم تتحرك جميعها بنسق ضمن مجموعة “أندروميدا 2”. يقول أموريسكو: “أساساً، هذا ما ستجده إذا ما دُمّرت مجرة صغيرة داخل واحدة أكبر.”
يعتقد أموريسكو أن الاندماج قد حصل عندما وقعت المجرتان الصغيرتان ضمن نفس فلك الدوران حول مجرة “أندروميدا” الأكبر بكثير.
ويحتمل حدوث ذلك الاندماج خلال الثلاث مليارات سنة الماضية، ذلك لأنه عبر أزمان طويلة، ينبغي لجاذبية بقية أجرام المجرة أن تجمع مثل تلك التدفقات النجمية المتماسكة. ويضيف أموريسكو: “كان اكتشافاً محظوظا جداً – إذ يمكن لدلائل الاندماج أن تختفي بسرعة كبيرة.”
محاكاة للتصادم
وتمكنت لوكاس وزملاؤها من التوصل إلى رواية يمكنها أن تفسر تفاصيل ذلك الاندماج. وأجروا محاكاة على الكمبيوتر لتصادم مجرتين صغيرتين. وقد جد الباحثون أنه يمكن لهذا التصادم أن يولّد مجرة جديدة مركبة تدور حول نفسها مثل سيجارة، حيث تشير السيجارة إلى محور ذلك التصادم (أنظر الصور أدناه). تقول لوكاس: “يمكننا نسخ ذلك الشكل على محوره الطولي.”
إن تفسير اندماج التحركات النجمية لمجرة “اندروميدا 2” يبدو “مقنعا جداً”، حسبما يقول كريستوفر كونسيليتشي، من جامعة نوتنغهام البريطانية، والذي لم يشترك في أي من هاتين الدراستين.
ويرى كونسيليتشي أن هناك منفعة خفية من معرفة حجم أصغر المجرات المتولدة مباشرة من الغازات المضغوطة، عوضاً عن اندماج المجرات. ينبغي لهذا أن يلقي الضوء على حقيقة المادة المظلمة التي تحيط بالكون.
ويُعتقد أن المجرات البدائية قد تولدت من رحم التشابك الحاصل بين جزيئات المادة المظلمة التي تملأ الكون، وكان على سرعات هذه الجزيئات أن تؤثر على حجم المجرات المتولدة.
إذا كانت مكونات المادة المظلمة تتحرك بسرعة، “كان على الأجرام الأولى في الكون أن تكون كبيرة جداً.”، بحسب كونسيليتشي. والبديل عن ذلك التفسير هو أن جزيئات المادة المظلمة الخاملة، أو “الباردة”، حسب التفسير المفضل، كانت نواة لتكوين مجرات أصغر.
هل يجب أن نقلق؟
كان على توقيت عمليات الاندماج اللاحقة أن يكون منظما أيضاً عن طريق مكونات المادة المظلمة، حسب أموريسكو. فقد كان على الجزيئات الأثقل من المادة المظلمة أن تجذب إليها الغازات بسرعة لتولد أولى المجرات.
وهذا بدوره أدى إلى اندماج أكثر للمجرات منذ بدء تاريخ الكون. أما الجزيئات الأخف من المادة المظلمة، فقد تطلبت زمناً أطول لتولد المجرات، مما أدى إلى حصول عمليات اندماج أقل، وفي وقت لاحق.
“أندروميدا 2” هي المجرة الوحيدة، بنفس ذلك الحجم، التي نعرف أنها تكونت نتيجة عملية اندماج. لذا، فإنه من السابق لأوانه تحديد كتلة محتملة للمادة المظلمة بنفس هذه الطريقة، حسب رأي أموريسكو. إلا أن هذا الفريق يبحث عن دليل حول عمليات اندماج مجرات قزمة مجاورة.
هناك 20 مجرة قزمة تدور في فلك مجرتنا؛ درب التبّانة. أضف إلى ذلك، ما كان بداخل مجرات مزقتها قوة جاذبية درب التبّانة سابقاً. وما يشكل مدعاة للقلق هو أن أيام الاندماج بين المجرات لم تتوقف بعد.
بعد قرابة أربعة مليارات عام، يحتمل أن تصطدم مجرة درب التبّانة بمجرة أندروميدا بقوة. وإذا حدث ذلك، سيزيح ذلك التصادم مجموعتنا الشمسية عن موقعها الحالي نسبياً، ويجعلها أقرب إلى مركز المجرة.
لكن لا تقلقوا من حدوث ذلك التصادم، بحسب أموريسكو الذي يؤكد: “ستدمّرنا الشمس قبل ذلك الاصطدام بأندروميدا بزمن كبير.”
المصدر: BBC