كاتب وإعلامي سعودي
هبت هجمات الصحويين كالعادة على شكل قذائف منظمة – والصحويون على دراية بمثل هذا العمل الذي يشبه التنظيمات الحزبية – على حديث رئيس هيئة الترفيه لوكالة «رويترز» للأنباء، الذي تحدث فيه بشكل واقعي ومنسجم مع ما طرحته رؤية المملكة 2030، إذ تناولوا إشارته إلى أن من لا يرغب في برامج الترفيه ومنها السينما، يجلس في بيته، وحاولوا أن يقوّلوه غير ما قصد، فالمعنى واضح لمن يريد أن يعرف المغزى، فقطار الترفيه لن يتوقف، والسينما ودار الأوبرا قادمة في يوم ما، والذي أتمنى أن يكون قريباً جداً.
من يستمع إلى خطاب الصحويين يعتقد أن القصد هو إقصاء البعض واستبعادهم من هذا المشروع، ما أفهمه أنا أن الأنشطة الترفيهية والسينما والحفلات الموسيقية ليس مجبراً من لا يريد أن يحضرها، وقد يفضل قضاء وقته في منزله وهذا خياره الذي يجب أن يحترم، كما أنّ استغلالهم مثل هذه المفردة، التي أتت في حديث رئيس هيئة الترفيه يعتقد أنهم دعاة اختلاف وتنوع، وهم من مارس الإقصاء ودفعوا الأسر إلى الانكفاء في المنازل، في وقت كان المشهد الاجتماعي تحت سيطرتهم في مخيمات صيفية لا نعلم ما كان يقام فيها من أنشطة، إذ اكتشفنا أخيراً أنها كانت مراكز لتغذية التشدد الديني في المجتمع دفعنا ثمنها جميعاً لاحقاً.
وبعض الأسر (وهي نسبة كبيرة) للخروج من سيطرة تلك الجماعة التي جيشت المجتمع ضد الانفتاح الطبيعي لمصالحها الخاصة الضيقة، فضّلت قضاء إجازاتها في دول الجوار بحثاً عن ترفيه برئ جداً، مثل حضور أفلام سينمائية ومسرحيات أو حفلات غنائية، وعندما يعودون يرجعون إلى حالة الكآبة وانتظار الإجازة المقبلة، والنتيجة أننا خسرنا أكثر من 100 بليون دولار سنوياً في رحلات الهروب الجماعي، بل إن البعض تولدت لديهم حالة من الكره وعدم التوافق مع الوطن، بسبب اختطاف الصحويين مشهدنا الثقافي والاجتماعي. «الأدهى من ذلك والأمر»، أن بعضنا أصبح يعيش بأكثر من شخصية، نتيجة القيود المفروضة علينا من الصحويين، على اعتبار أنهم حراس الدين والفضيلة، والآخرين غير ذلك، ويجب أن يكونوا عليهم أوصياء.
رئيس هيئة الترفيه ذكر في حديثه أن فعاليات الترفيه وفرت نحو 20 ألف وظيفة منذ انطلاق هذه الأنشطة قبل سبعة أشهر، مثل هذا الرقم والمرشح للزيادة كفيل بأن نحتفل به في مجتمع تسمع نحيب التباكي من البطالة، إلا أن الهدف لديهم ليس حل مشكلات المجتمع، بل توظيفها لمصالحهم الشخصية والفكرية للأسف.
هؤلاء نعرفهم جيداً، فهم من كانوا ومازالوا يطرحون أسطوانة التغريب، ثم نكتشف لاحقاً أن أبناءهم وبناتهم يدرسون في الجامعات الغربية وكأنه حق لهم وأنهم محصنون من التلاقح الثقافي مع الغرب، ويحرمون على الآخرين الدراسة هناك. الآن يرددون أننا لا نريد الترفيه الموجود في عواصم مثل لندن ونيويورك، وكأن من يسمعهم يعتقد أن تلك المدن تعيش حالة من الفجور والفسق وهم يترددون عليها، بل إن بعضهم يسكن ويعيش فيها. يا سادة يا كرام، تلك المدن فيها أرقى الجامعات ومراكز البحث العلمي، التي تنتج آخر المخترعات العلمية التي تخدم البشرية جمعاء ونحن منهم، ومسارحها ودور السينما فيها هي ما نشاهده في منازلنا وعلى شاشات تلفزيوناتنا، ولكن في غرف منازلنا المغلقة. فكفى تباكياً في الدفاع عنا في قضية لم ولن نوكّلكم في الدفاع عنا فيها.
المصدر: الحياة