كاتبة إماراتية
يدخل شخص المقهى فيسبب نوعاً من الضجيج الداخلي، وملامح الحزن تبدو واضحة على تعابير وجه خالد، ليفاجأ الجميع بأن من دخل المكان، هو صديقه السابق.
أصبح وجود هذا الصديق يدق القلق والارتباك لدى خالد في كل مرة يصادفه فيها، لأن وجوده يذكره بماض مؤلم، اضطر فيه أن يمثل دور الضحية طوعاً وكرهاً.
لقد كان هذا الصديق مصدر إحباط ومحاربة لنجاحه، ما جعل علاقته معه تضمحل شيئاً فشيئاً، فلم يعد يجالسه، كما كان في الماضي، فرصاصته المحبطة التي هوت به يوماً إلى الأرض صريعاً، كانت كفيلة أن تدق ناقوس الوداع، ليعلن نهاية هذه الصداقة.
عند إعادة النظر بسلوكيات وأصناف بعض الأصدقاء من حولنا، نجد أن وجودهم مصدر هموم وإزعاج، ولكن البعض يستمر في هذه العلاقة، خشية أن يتم جرحهم لعدم معرفة كيفية إبعادهم أو لعدم الرغبة في الشعور بالوحدة لقلة الأصدقاء، فتستمر العلاقة معهم، بالرغم من الجهد البدني والنفسي اللذين يسببانه. في عالم الصداقة، لا بد من مواجهة بعض الأصناف في مسيرة الحياة.
فمنهم الأوفياء، الذين يكونون دائماً معك في السراء والضراء، فالصديق المخلص لا يجاملك، ولا ينهي علاقته معك لمجرد خلاف بسيط، وهو الذي يسامحك إن أخطأت، ويسد مكانك في غيابك. هو الذي يدعو لك بظهر الغيب، وينصحك ويعينك على العمل الصالح، لأنه على يقين من أنه بالقرب من الله تتيسر الأمور.
ومنهم المزيفون، وهم المحبطون والاستغلاليون والكاذبون، وهذه الأصناف تُغرِّق كل من تقترب منه في وحل الفشل، فلا بد من الابتعاد عنها لتجنب الغرق، بصنع طوق النجاة للوصول إلى عالم الصداقة الحقيقية. يستخدم بعض المحبطين سلاح الابتزاز العاطفي لكسب ود بعض الأصدقاء، لتستمر الصداقة بينهم، فيتم الانخراط في دوامة التحطيم الداخلي.
المحبطون هم أشخاص يتذمرون دائماً من حياتهم، فهم أشبه بظلال مهزوزة تحبو على الأرض، فإن أردت أن تمثل دور الصديق الحقيقي بسماع مشاكلهم غير المنتهية، فلن يغير ذلك من واقعهم شيئاً، سوى إشباعك بالإحباط والهموم.
من المضحك المبكي، أن هذه الفئة تعتقد أن مهمتك الوحيدة كصديق وفيّ، أن تجعلهم دائماً سعداء، حتى ولو أهملت نفسك بالانشغال بهمومهم والتعاطف معهم. فمن ذا الذي يشعر بالنشاط والتفاؤل حين يسمع لمشاكل الآخرين بشكل دائم؟
«من صاحب الأنذال حقر، ومن صاحب العلماء وقر» – الإمام علي رضي الله عنه.
الاستغلاليون والأنانيون، يشعرون الآخرين بأنهم مركز الوجود، فهم يعتقدون أن العالم وما فيه يتمحور حولهم، والحياة خلقت من أجلهم، كما لو كانوا ملوك الأرض، وعلى الجميع تلبية جميع رغباتهم، فلا يجدر بك أن تتفوق عليهم بأي شكل من الأشكال.
شخصية هذه الفئة معقدة، فهي تشعر بأنها تستحق التميز دائماً، ومن المؤسف أنها تحمل بين طياتها الحقد والأنانية تجاه الأصدقاء، الذين كتب الله لهم النجاح والتقدم، إما بوظيفة وإما بترقية.
هؤلاء الأشخاص يكون حضورهم كانصرافهم، فهم يسعون دائماً للبحث عن نظرة إعجاب في عيون النّاس، والوصول إلى أعلى المراتب وتولي أرقى المناصب، حتى ولو كلفهم الأمر استغلال الأصدقاء المقربين لتحقيق مرادهم.
«قيل للذئب ما بالك تعدو أسرع من الكلب؟ فقال لأني أعدو لنفسي، والكلب يعدو لصاحبه» – حكمة.
الكاذبون يلبسون أقنعة الصداقة، وهم الأكثر إضراراً، فهم يتقربون من الصديق بشتى الطرق ليخبرهم أسراره، ويقومون بمواساته حتى يشعر بأنهم كل شيء، وحين يتمكنون وتكون الثقة بهم عمياء، يبدؤون بالهرب في المواقف التي يحتاج فيها الصديق للعون، فيتغير الأسلوب الراقي ليصبح جارحاً.
يأتي الوقت الذي تسقط فيه الأقنعة، فتتغير مشاعرهم وتظهر حقيقتهم أمام الأصدقاء الذين انخدعوا بهم.
قد تموت ذاكرة العقل، ولكن ذاكرة القلب تبقى للأبد. حين انتبه الصديق السابق لوجود خالد في المقهى، اقترب منه وألقى التحية بحرارة، ليزف له الأخبار السارة، بأنه أصبح رجل أعمال ناجحاً، ويمتلك الكثير من العقارات، فعرض عليه وظيفة في شركته، كونه من الأشخاص المقربين، فقال له: «لم لا ننسى الجرح الذي سببته لك في الماضي وتقبل الوظيفة، وسأكون لك المدير الذي سيساعدك للوصول لأهدافك، وستكون لي الموظف المطيع».
شعر فجأة خالد بحجم الكذب، فضاقت به الدنيا، واهتزت به الأرض، وفجأة، هرولت النقاط وحدها ورتبت نفسها على الحروف بنظام، ورد بابتسامة «أرجوك.. ليس من جديد».
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-04-17-1.2355265