كاتب وأكاديمي سعودي
كشفت لنا قنوات الإعلام الجديد – ولا تزال تكشف يوماً بعد يوم – تسجيلات موثقة صوتاً وصورة للعديد من المواقف التي قد تكون تصريحاً ارتجالياً أصدره مسؤول تجاه موضوع ما ، أو قد تكون جزءاً من حوار تلفزيوني أقطابه غالباً شخصان تصادمت وجهات نظرهما حول موضوع معين فأفرز ذلك الحوار فجاجة في الأسلوب أو انحطاطاً في الحوار ، وسواءً أكان أبطال هذه المواد المعروضة مسؤولين نافذين أو إعلاميين بارزين أو مغمورين أو ضيوفاً متصارعين في حلبة استديو قناة معينة ، فإن هذه المواقف في مجملها ليست بالأمر الجديد و قد تكون حاضرة في أي حوار ، لكن الجديد هو توثيقها ونشرها على نطاق واسع ووقوعها في يد كافة شرائح المجتمع ، وأن تحضى بقدر كبير من المتابعة ثم تتحول بعد فترة وجيزة إلى مادة دسمة تتصدى لها الصحافة ويفرد لها كتاب الرأي مقالات عديدة ، في اعتقادي أن ثمة ثقافة جديدة يتم تصديرها عبر هذه الآلية في التعامل ، باعتبار أن ما كان يحصل خلف الأبواب الموصدة و يشهده العشرات من الأشخاص على أبعد تقدير و لا يتجاوز تأثيره الدائرة الصغيرة التي حصل فيها ، أصبح اليوم يتداول على نطاق واسع و قد يدخل في إطار التشهير وترجيح كفة أحد الطرفين على الآخر بل وقد يتسبب حتى في انقسام المجتمع إلى فريقي الـ مع أو الضد ، إن المخيف في ظهور هذه الآليات الجديدة للنشر هو أنها قد تتحول مع مرور الوقت إلى أداة للنيل من الآخرين واستهدافهم أو لتتبع عثراتهم لا غير ، يختلط فيها الحق بالباطل والحابل بالنابل خصوصاً في ظل القدرة على منتجة مثل هذه المقاطع أو اقتصاص جزءٍ منها يصب في صالح الطرف الذي يرى أنه يمتلك ناصية الصواب وبأن الحق معه وحده ، ناهيك عن كون مثل هذه المشاهد واللقطات التي يتم تداولها وإن تعددت قصصها واختلف أبطالها ، لكنها تلتقي في نهاية المطاف عند نقطة معينة وهي غياب الاحترام وتلاشي آداب الحوار ، لست هنا أدعو لسلبية التعاطي مع الموقف أو الرضوخ للظلم أو السكوت عن الحق ، لكن علو نبرة الصوت وتوجيه السباب وإلقاء الشتائم على الطرف الآخر ليست من إثبات الحق وتحقيق المطالب في شيء ، بل هي تراجيديا موقف عابر تنتهي بنهايته ، سرعان ما يطوي صفحتها النسيان بعد مرور وقت قصير ، لا يمكننا – والحالة هذه – أن نشيع ثقاقة أدب الحوار واحترام الطرف الآخر لدى الجيل الجديد وهو يشاهد هذه القصص المصورة بشكل مفرط ويتداولها ويتندر بها ، لكن ذلك يجب ألا يحول بيننا وبين انتقاد هذا السلوك الإعلامي الجديد ونبذه ووضعه في خانة الحوار المقطوع الناقص المفضي إلى مزيد من الاحتقان والانقسام والتصلب في الآراء، والحل هو في إشاعة روح الحوار الإيجابي والدعوة إليه وممارسته واقعاً وسلوكاً ، فالاختلاف طبيعة إنسانية ، قد نتفق وقد نختلف، لكن يجب أن يبقى الاحترام سيد الموقف .
خاص لـ ( الهتلان بوست )