كاتب سعودي
تصحو في اليوم التالي لإعلان الميزانية العامة للدولة من نومك وقد سيطرت عليك مشاعر أهل الثراء الفاحش!، تقف بشموخ وكأنك جهاز صراف آلي في منطقة مقطوعة، تسير ببطء وكأنك ناقلة بترول، تبتسم بتكلف كي لا تنفد بطاريتك من كثرة الضحك، ثم تدور في رأسك بعض الخطط العبقرية التي يمكن أن تحل معضلات الصحة والتعليم والإسكان في نصف ساعة، ولكن ما إن تقود سيارتك في وسط الزحام حتى تستعيد عقلك بالتدريج بعد أن طارت به أرقام الميزانية لتكتشف أن المسألة أعقد بكثير مما كنت تتخيل، فأنت لا زلت كما أنت مهما تصنعت أو تكلفت أو حاولت تغيير طبقة صوتك، فالعبرة ليست في الأرقام الضخمة بل في قدرة المؤسسات والأفراد على إدارة هذه الأموال وتحويلها إلى إنجازات حضارية ملموسة محسوسة.
تحاول أن تختار لنفسك موقعا وسطا بين التفاؤل والتشاؤم، تبدو وكأنك تفكر بطريقة أكثر واقعية ولكن تفكيرك الواقعي هو ذاته الذي سوف يقودك إلى حقيقة أن هذه الوفرة المالية فرصة تاريخية قد لا تتكرر، لذلك لن يكون لتفاؤلك أو تشاؤمك أي أثر سوى إضاعة المزيد من الوقت، وإضاعة الوقت أسوأ من إضاعة المال لأن المال يمكن أن يعود بطريقة أو بأخرى ولكن الوقت الذي يمضي لا يعود أبدا!.
**
عجز الميزانية أو فائضها بالنسبة للمواطنين ليس له علاقة بأرقام الإيرادات والمصروفات، فهم يرون أن عجز الميزانية الحقيقي يتجسد في صورة صحفية لانهيار جسر افتتح للتو، أو في تصدعات في سقف مدرسة حديثة الإنشاء، أو في عدم استقبال أحد المستشفيات لمريض بحجة عدم وجود سرير، أما الفائض بالنسبة لهم فهو حتى الآن فائض التصريحات!.
**
أحسد بعض المحللين الاقتصاديين الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، في كل عام يقدمون المعلومات ذاتها تقريبا وهم يتفجرون حماسة، الغريب أن قسما كبيرا منهم ليس لديه أي إجابة مباشرة لكل الأسئلة التي يمكن أن يطرحها المذيع ولكن هذا لا يعيق ثرثرتهم التي لا يوقفها إلا مقاطعة المذيع بسبب انتهاء الوقت!.
**
(العبرة في الميزانية ليست بالأرقام بل فيما تجسده على أرض الواقع من مشاريع وخدمات نوعية ينمو بها الوطن وينعم بها المواطن).. هكذا تحدث الملك – حفظه الله – لوزرائه مختصرا ما يجول في ذهن كل مواطن.
المصدر: عكاظ