كاتب سعودي
سأبدأ برسالة وردتني مع خمس رسائل تتحدث عن الفساد وإهمال المراجعة الداخلية في الحكومة بعد مقالتي «أفصحوا يا نزاهة»، تقول المرسلة: «أنا كنت واحدة من منسوبي قسم المراجعة الداخلية، ولما بدأت أكتشف أخطاء أو أحاول كشفها حوربت وأدركت أني أحارب طواحين الهواء، وفي الأخير طلبت نقلي لجهة أخرى بعيدة عن المراجعة الداخلية، وبمنتهى الحزن تخليت عنها ونقلت إلى قسم التحقيقات، وهناك أيضاً فوجئت بأن الخطوط الحمراء موجودة أيضاً، مع العلم أن التحقيق كان في مسائل أخلاقية لكن لا بد من الحذر أيضاً، وتم إصدار قرار بعدم التحقيق مع من هم في مرتبة معينة وأعلى، ولا بد من الرجوع إلى المدير العام إذا ما تقدم أحد بشكوى ضد أي شخص يقع في هذه الفئة».
اختصرت الرسالة التي تعمل صاحبتها في أحد المستشفيات، وأربطها مع كثير من العناوين، آخرها كشف اختلاس 150 مليوناً في تعليم الرياض، وصدور الأحكام على الفاسدين في تعليم حائل، ثم عنوان تصريح للمدير العام للمراجعة الداخلية في ديوان المراقبة العامة عبدالعزيز الفارس، يقول فيه إن 39 جهة حكومية تتجاهل قرارات مجلس الوزراء ولم تنشئ وحدات للمراجعة الداخلية، على رغم مرور تسع سنوات على قرار مجلس الوزراء القاضي بتأسيس إدارة للمراجعة الداخلية في كل جهاز حكومي.
حسناً، في البدء لا بد من إشارة صغيرة إلى ثقافة الكثير من الموظفين ترتكز على «شخصنة» الأشياء، فالمدير العام يحمي كبار موظفيه من التحقيق كما في الرسالة أعلاه، وأتصور أن كثيراً من الجهات الحكومية التي فيها مراجعة داخلية تؤدي عملها بشكل صوري، وكأن لسان حال مديرها يقول لموظفيه: «أفا تراجعون على أبوفلان؟ هذا من أعمدة الوزارة»، ويبدو أن مشكلتنا المزمنة هي في الأعمدة التي لا تتحرك، ولا ترفع سقفاً.
ولغير المتخصصين وللعلم بالشيء، فإن أول تعريف للمراجعة الداخلية هو تعريف مجمع المراجعين الداخليين الأميركي «IIA» الصادر عام 1947، وهو «المراجعة الداخلية هي نشاط تقويمي مستقل يوجد في منظمة الأعمال لمراقبة العمليات المحاسبية والمالية والعمليات الأخرى، من أجل تقديم خدمات وقائية وعلاجية للإدارة، وهي نوع من الرقابة هدفه فحص وتقويم فعالية وسائل الرقابة الأخرى. وهذا النوع من المراجعة يتعامل أساساً مع الأمور المحاسبية والمالية، ولكنه قد يتعامل بشكل ما مع بعض الأمور ذات الطبيعة التشغيلية».
لقد نجح القطاع الخاص، وبالذات القطاع المالي السعودي بسبب أنظمته الصارمة في المراجعة الداخلية، وخضوعه معها للمراجعة الخارجية المستقلة، والقطاع الحكومي في ظل الوفرة المالية يحتاج للمثل، بسرعة، وبقوة، وإذا كان لديه مراجع خارجي هو ديوان المراقبة العامة، فالحاجة ماسة إلى مراجعة داخلية قوية وصارمة.
الطفرة المالية ستذهب يوماً ما، كما ذهبت طفرات قبلها، وإذا كان الإنفاق ومراقبته يرتكزان على الوفرة، والمجاملة، وثغرات النظام، وضياع الأرقام الكبيرة في زحمة الأرقام الأكبر، فإننا سنصل إلى طريق مسدود، حيث لا مال يكفي، ولا منجز يفي.
المصدر: صحيفة الحياة